2024
Adsense
مقالات صحفية

من الفنون العمانية التقليدية، “فن الروغ”

 درويش بن سالم الكيومي

إنَّ سلطنة عُمان الحبيبة تزخر بالكثير من الفنون العُمانية التقليدية الجميلة، وهي من الموروثات التراثية والفنون الشعبية التي تحتفظ بها وزارة الشباب والثقافة والرياضة الموقرة، كإرثٍ حضاري من مختلف القرى الحضرية والبدوية والساحلية والجبلية، ويعتبر “فن الروغ” من أقدم الفنون العُمانية التقليدية عند الحضر، ويليه فن الربابة عند البدو، وذلك قبل أن تنتشر الموسيقى الحديثة، والتي تدرجت إلى عدة أسماء مثل؛ العود والكمان والأورج والبيانو وغيرها من الآلات الموسيقية المتعددة الآن في عصرنا الحاضر.

لقد كان “فن الروغ” يتفنن به من يعزفه ويصاحبه الطبل عند العزف لضبط الإيقاع واللحن والأغنية، وليس كل شخص يستطيع أن يعزف قصبة الروغ لأنه يعزف في حفلات الأعراس والمناسبات الخاصة، ويحتاج عازفه إلى نفس عميق لمواصلة العزف باستمرار دون توقف ولفترة طويلة جدًا، والعازف ل”فن الروغ” يجد سهولة في حنجرته عندما يعزف لأنه يستنشق الهواء وهو مستمر في أدائه، ويقال أن عازف الروغ في السابق يكون أول المدعوين في الحفلات والأعراس والحفلات الخاصة، ويصاحبه في الحفل أو الدعوة من يجيد الإيقاع على الطبل، وكذلك الشاعر، ويتغني بالكلمات المناسبة والمصاحبة مع العزف مباشرة.

ودائمًا ما تتكون قصيدة الشاعر من ثلاث أو أربع سطور مبتدئً على قافية واحدة عند نهاية كل سطر، ومن ثم تتغير القصيدة إلى كلمات أخرى في المدح والغزل والنصح، وعندما يحضر العازف والشاعر يبدأ أولًا المغني بمقطع من كلمات الأغنية المتفق عليها، ويعطى مجال حتى يظهر لحن الأغنية بالكامل على إيقاع الطبل، ومن ثم يتبعه عازف الروغ ويبدأ المغني ويرد خلفه من هم حاضرون حوله، وتستمر الأغنية حتى تنتهي أربعة أسطر ويتوقف المغني، ولكن عازف الروغ يستمر في عزفه دون توقف، حينها مباشرة يغير الشاعر أو المغني الكلمات تلقائيًا إلى أغنية أخرى تسمى باللهجة العامية ( الشلة )، ويستمر معه صوت الروغ الذي ينتقل عبر الهواء الطلق خاصة في وقت المساء وينتشر حتى يصل إلى كل بيت في القرى القريبة ويدخله بدون استئذان، وبلحنه الشجي يطرب النفوس من أعماقها ولا يجعل للهموم بقية إطلاقًا، وربما يجبر المتذوق للخروج والمشي على صوت الروغ وأن كان الوقت ليلًا حتى يصل إلى مكانه، ويمكن سماع صوت الروغ من مسافة بعيدة تقدر بالكيلو مترات.

وتصنع قصبة الروغ من نفس شجرة الروغ التي تنبت في الأودية، وهي تشبه شجرة الخيزران وتثمر شجرة الروغ أكثر من (30) عودًا ولكن العود الجاهز والصالح للاستعمال يكون متميزًا عن بقية الأعواد، وما يميزه بأنه يميل ويتحرك من تلقاء نفسه دون أن يتأثر بالهواء، وكل عود يقص منه (4) قطع للعزف، وتصنع من شجرة الروغ أيضًا مادة الشمع، وعندما تقطع القصبة توضع بها من الأعلى ثقوب يصل عددها إلى (6) ثقوب، ويغلق من أسفل القصبة بواسطة الشمع أو الأعواد الصغيرة حتى لا يخرج الهواء عند العزف إلا من الثقوب المصنوعة فقط، وعند العزف تتحكم بها (6) أصابع، (4) من اليد اليمنى و (2) من اليد اليسرى، وكلما ارتفع أصبع واحد خرج صوت الروغ بلحن مختلف يتفنن به العازف كيفما يشاء حتى يطرب كافة الحضور، وقد اشتهرت ب”فن الروغ” القرى والأودية بولاية الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة، ومنها قرية عيني، ويطلق عليها الآن “عين الكسفة”، ومن الأودية وادي السحتن، وادي بني عوف، ووادي بني غافر الذي يحتضن الكثير من القرى الجبلية من جنوب وشمال الطريق العام الذي يمتد إلى ولاية عبري الواعدة.

وأما الآن فإنه أصبح لدينا فئة قليلة من الشباب الذين يجيدون العزف على قصبة الروغ، وهم يحاولون بين فترة وأخرى الجلوس والاستمتاع بالعزف في أماكن معينة بعيدة عن القرى بقصد قضاء وقت ممتع مع الضيوف أو الأصدقاء؛ لأن “فن الروغ” قلت شهرته في حفلات الأعراس والمناسبات الخاصة، وبسبب وجود المطربين والفرق الغنائية المنتشرة في كل قرية وولاية.

وتعتبر قصائد الروغ من أفضل الكلمات الجميلة التي كانت تغنى في حفلات الأعراس والمناسبات الخاصة، وعندما يعزف الروغ تصاحبه قصائد أخرى في المدح والنصح والغزل وغيرها من الكلمات الشعرية والقصائد القديمة.

 

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights