بصبغة البنفسج ..
محمد بن عبيد الزعابي
تحوي الطبيعة العديد من الأماكن التي تُبهر الناظر وتُتحفه، سواءٌ كان هذا المكان في البحر أو البرّ،.
وهناك طقوس ربّانية خلقها الله في الكٌرة الأرضية لتكون مثيلةً لغيرها من الأماكن.
قد تتشابه المناظر الطبيعية حول العالم، ولكن تختلف بثقافاتها نوعاً ما، وعندما نتحدث عن الثقافة فإننا نقصد كل ما يميز بلداً عن بلد آخر، وذلك بالفطرة التي وهبها الله لكل بقعة في الأرض، فتختلف البشرية من بيئة ريفية أوحضرية، أو بدوية أو بحرية،
فتتميز كل بيئة منها بطبيعة الأرض، فلا بد من الاختلاف في اللغة والملبس والطعام، وذلك بسبب الارتباط العميق وشدة العلاقة بين الانسان والأرض.
ففي الأماكن الباردة لا بد أن يرتدي ساكنوها ما يقيهم البرد القارص، أما غيرها من البيئات الحارّة فستكون الحال معاكسة تماماً، وهلمّ جرّا .
فتخرج من مكنون الإنسان مشاعر يستلهمها من كل هذه البيئات، وخاصة عندما ينبهر بجمال الطبيعة وروعتها، وهذا ما شدّني خلال رحلتي من محافظة الشرقية في طريقي إلى صلالة، ربما سيعتقد بعض من سيقرأ هذا المقال أنه مستهلَك، وقد كُتب مثله مئات المرات، هو صحيح بالفعل، قد تتقارب الكتابة والأحاسيس عند كتابتها عن الأماكن السياحية، ولكن يتميز كل كاتب عن الآخر بتعابيره ومشاعره، فلكل كاتب قارئ يستمتع بخيوط أفكاره.
أحاسيس كثيرة أخذت تجُول في خاطري وأنا مسافر من مسقط رأسي الخابورة منطلقاً إلى نيابة الأشخرة، لم أستطع التوقف في أي مقهىً لكتابة ما يجول بداخلي، وذلك لانشغالي مع عائلتي بحجم الاشتياق الكبير للكتابة، كنت أنظر لمذكرتي الصغيرة التي وضعتها أمام مقوَد السيارة بكل توقٍ ولهفة، دون أن أكتب بداخلها أي شيء إلا حين نتوقف لأداء الصلوات المكتوبة، حينها كنت أكتفي بالربت على ظهر غلاف المذكرة وكأني أهدّئ طفلاً صغيراً لكي ينام في مهده، وأهندم قلم الحبر الذي وضعته في جيب دشداشتي. أسير ليلاً وترعبني تلك الحمير التي أراها تتوقف على حافة الطريق، ينتابني الرعب مما سمعته من خزعبلات وقصص كثيرة عن تلك الحمير في تلك الطريق، إلا أنني مستمتع في خط سيري وأنا أقود سيارتي.
كنت أحب السير ليلاً في طريق الأشخرة، لأشعر بالإنارة المنبثقة من ولاية صور، فهي فاصل استراحتي حين يأتي آخر الليل، أتوقف عند المطعم الشعبي، وأترجل من سيارتي لأستنشق عذب النسناس الذي يهُبّ من البحر المطلّ على صور.
فتحتُ نافذة الفندق المفعمة بروعة إطلالتها، ومنظر السفن الخشبية التي توارث صناعتها الأجداد إلى زمننا هذا، لم يتكاسل سكان هذه الولاية العريقة عن حرفتهم العتيقة.
فتحت كتابي وجلست أقلب الصفحات، ولم أستطع المواصلة لأن عيناي كانتا سارحتان في النجمات المتلألئة التي تعكس نورها على الشاطئ، خفتُ من النعاس أن يداهمني، فليلة دافئة كهذه والمعروفة بمُسمّاها ليلة سهيل لا يستطيع المهووس بالكتابة مثلي أن يودعها بنومٍ إلا حين يقتبس الإلهام منها، نزلتُ أستنشق الهواء العليل وطلبتُ فنجان قهوتي من ذاك المقهى، وجلستُ أتمعّن ببهاء المكان.
أسدَل الفجر ضياءه وخرجتُ مع عائلتي من الصباح الباكر في طريقنا إلى الأشخرة، وسلكتُ طريق ولاية الكامل لأبتاع ما أحتاجه من الكامل والوافي.
واصلتُ طريقي للأشخرة،
افترشتُ البساط على الرمال، وأنزلت الكراسي وجلست مستمتعاً بعصرية دافئة بجانب ذاك الشاطئ وهواءه الذي يداعب أجساد كل السياح.
أُعجبتُ ببرودة الشاطئ الطويل وسحره الذي خلقه الله فيه، ذاك الخط يربط بين محافظة الشرقية ويمر بنا إلى الدقم التي تغيرت كثيراً، فمررتُ بهذا الشارع قبل 12 عاماً، لم تكن هذه القطعة سوى محلات خشبية وصحراء وشواطئ مهجورة أما اليوم فقد أصبحت مدينة عملاقة تنافس كبرى المدن بمصانعها ومينائها المعروف عالمياً.
انحنيت لطريق الجازر لأتوقف قليلاً في الشويمية حتى أشتري من الصيادين سمكاً طازجاً.
وفي المساء وصلتُ إلى ولاية طاقة، ولم أستطع أن أتناول طعام العشاء إلا في سهل مرتفع يطل على البحر.
صلالة يتوقف الحديث عنها وعن انبهار السائح بطبيعتها وسحر جمالها، ومن حقنا أن نفتخر ونحمد الله على ما وهبنا من أرض يتغزل بها الشاعر ويرسم لوحتها الفنان، ويتغنى بروعتها الطير بأحلى الأشجان.