رحلتي إلى محافظة ظفار
خلفان بن ناصر الرواحي
الجزء الثاني: المقومات السياحية والتطوير
تحدثنا في مقالنا السابق- الجزء الأول- عن محافظة ظفار ومكانتها التاريخية وموقعها الجغرافي، وسوف نتطرق في هذا المقال إلى جماليات الطبيعة الساحرة والمقومات السياحية وسبل تطويرها وتنميتها وفق ما رأيناه ومن خلال آراء بعض الزملاء والأصدقاء وزوار المحافظة خلال هذه الفترة من هذا العام ٢٠٢٣م في فترة موسم “خريف ظفار”، وسوف نلخص أهم الملاحظات والمقترحات التي نراها بحاجة ماسة للمراجعة والدراسة من قبل الجهات المعنية المختصة بهذا الأمر، آملين أن نكون عنصرًا إيجابيًا فاعلًا للمساهمة في الرؤية المستقبلية لتطوير القطاع السياحي في هذه المحافظة على وجه التحديد؛ وذلك لما تمثله من توفر فرص استثمارية كبيرة، ولما تتميز به من طقس محفز وجاذب للسياحة.
من المعروف أن موسم “خريف ظفار” الذي تتأثر به الولايات الساحلية لمحافظة ظفار من ولاية ضلكوت غربًا حتى ولاية مرباط شرقًا؛ نتيجة هبوب الرياح الموسمية وتدفّق السحب القادمة من بحر العرب والمحيط الهندي من ٢١ يونيو وحتى ٢١ سبتمبر القادم، يعطي الزائر لهذه المحافظة دافعًا قويًا لعدم تفويت الفرصة للاستمتاع بأجواء جميلة وفريدة من نوعها مقارنة لبقية محافظات سلطنة عُمان الأخرى ودول الخليج العربية أيضًا، وهو ما يجعلها مقصدًا للزوار والسياح من داخل سلطنة عُمان وخارجها.
يتميز موسم “خريف ظفار” بأجوائه الغائمة والممطرة ودرجات الحرارة المعتدلة التي تنخفض أكثر في المناطق الجبلية المرتفعة التي يلفها الضباب المصاحب للأمطار الخفيفة، وتكتسي تلك المناطق والسهول باللون الأخضر الذي يبهج النفس نتيجة استمرار هطول الأمطار الخفيفة والرذاذ المتقطع.
بالإضافة؛ لذلك فإنّ تدفّق المياه في العيون المائية المنتشرة في أرجاء المحافظة، تعد من المزارات السياحية الجميلة التي يقصدها الزوار لهذه المحافظة، وقد كان لنا نصيب في زيارة بعضها، ومن أبرزها؛ عيون “رزات، وحمران، وجرزيز، وصحلنوت، وأثوم، وطبرق”، إلى جانب بعض المناطق التي تتساقط شلالاتها عند ازدياد كمية الأمطار خلال الموسم خاصة في شهر أغسطس، وأشهرها شلالات دربات، وأثوم، وكور، وجوجب، إضافة إلى شلال الحوطة بولاية رخيوت. كما تتميز المحافظة بجمال شواطئها الممتدة على بحر العرب؛ وأهمها شاطئ المغسيل، والحافة، وطاقة، ومرباط، وسدح.
الجدير بالذكر أن هناك عدة فعاليات وأنشطة تُقام في موسم “خريف ظفار” تنظمها بلدية ظفار في عدد من المواقع من بينها “أتين سكوير” بسهل أتين، وفعاليات عن التراث والموروثات الشعبية وذلك في منطقة الحافة وبعض المناطق الأخرى، وفعاليات ترفيهية واجتماعية وثقافية، وأخرى متنوعة في بعض المواقع الأثرية الطبيعية والسياحية، بالإضافة لتوفر حدائق الألعاب المختلفة للكبار والصغار ببعض الحدائق العامة.
كما أننا نذكر بأن على كل زائر لهذه المحافظة الساحرة أن لا يفوت الاستمتاع بما تشتهر به من معالم سياحية طبيعية عديدة نظرًا لتنوع تضاريسها وبيئاتها البحرية والزراعية والجبلية والصحراوية، إلى جانب الخيران الجميلة والمحميات الطبيعية والثروة الحيوانية والبحرية الغنية، والمواقع الأثرية والتاريخية المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، وأبرزها منتزها البليد وسمهرم الأثريان، ومتحف أرض اللبان، والحصون التاريخية بولايات رخيوت وطاقة ومرباط وسدح.
كما أننا لا ننسى مراكز التسوّق والمحال التجارية بمدينة صلالة، والحركة التجارية النشطة خلال هذا الموسم، وإقبال السياح والزوار على المنتجات والصناعات التقليدية؛ خاصة اللبان والبخور والصناعات الفخارية، والحلوى العُمانية، والمأكولات العُمانية التقليدية، بالإضافة لأكشاك بيع المنتجات الزراعية التي توفر بعض المنتجات المحلية، وخاصة جوز الهند والفواكة المتنوعة، ومنها الموز والفافاي وقصب السكر.
فتلك المقومات السياحية في هذه البقعة من سلطنة عُمان الحبيبة لا بد أن تحظى باهتمام كبير من قبل الحكومة، وبلا شك لا ينكر أحد بعض الخطوات المحفزة التي رأيناها هذا العام في رحلتنا خلال هذه الفترة ورآها كل من زارها في موسم “خريف ظفار” هذا العام، إلا أنها ما زالت تحتاج لمزيد من التطوير والتحديث، ومراجعة الخطط والبرامج التنموية الشاملة المتعلقة بالخدمات العامة والجانب السياحي على وجه الخصوص، ومنها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر الآتي:
– إعداد إحصائيات دقيقة لعدد الزوار خلال موسم “خريف ظفار” من أجل وضع خطط مستقبلية لتطوير الجانب العقاري والخدمي، واستقطاب الاستثمارات العقارية بمؤشرات مدروسة تواكب متطلبات السوق ومراعاة تنوع طبقات المجتمع العُماني، والمجتمع الخليجي؛ وذلك من ناحية القدرة المالية والشرائية والاجتماعية والثقافية لكلِّ الزوار على مدى العام، وضمنها المراكز التجارية الكبرى، وبأن لا تكون تلك الدراسة مقتصرة فقط على هذا الموسم، وإنما لتكون بيئة سياحية جاذبة على طول العام.
– استبدال الدوارات المرورية في الأماكن المزدحمة لتكون جسورًا علوية وأنفاقًا أرضية؛ لتفادي الزحمة المرورية في وسط المدينة والمركز التجاري والأماكن السياحية ومواقع الفعاليات المصاحبة.
– تطويرُ الشواطئ بولايات مرباط وطاقة وسدح، والمناطق الأخرى البعيدة عن مركز المدينة لتكون أماكن جذب سياحي ماتع لتخفيف معاناة المواطنين والزائرين من الاختناقات المرورية الحالية والمستقبلية.
– التسويق الإعلامي وتوزيع الكتيبات التوعوية والإرشادية الخاصة، والتعريف بمواقع السياحة والأثرية، وتوضيح توزيع الفعاليات المصاحبة.
– إيجاد حلول جذرية لمشكلة الحشرات في بعض المواقع السياحية كالبعوض والذباب، ودراسة إمكانية جلب بعض الطيور الآكلة للذباب والبعوض، أو زراعة بعض النباتات الآكلة للحوم بما يتناسب مع التوازن البيئي، ومن ضمنها “طائر خاطف الذباب الأرقط”، ونباتات مثل” فينوس صائدة الذباب، نبات الإبريق، مئات سنديو، السراسينية”، أو غيرها من الطيور والنباتات التي تتناسب مع طبيعة البيئة وظروفها دون الحاجة لاستخدام المبيدات الكيميائية الضارة.
– عمل مشاريع جاذبة في المناطق الجبلية كالتلفريك، وفتح مسارات جديدة أو ازدواجية الطرق لها في بعض المناطق ذات الإقبال الكبير وخصوصًا في منطقة دربات وأتين.
– مراجعة التشريعات والقوانين الخاصة بمجال السوق العقاري والإيجارات المبالغ فيها من قبل الوافدين خاصة، ومراعات الجوانب المختلفة المتعلقة بالنظافة والصيانة وتوفر المساكن المناسبة، وتحديد عدد الأفراد لكل عقار بما يحفظ حقوق الطرفين.
– إقامة أكشاك للمواطنين المجدين والراغبين في العمل بمبالغ رمزية داعمة لهم، وبما يتناسب مع طبيعة النشاط الحر الذي يقوم به ومراعاة رسوم التأجير، ومراقبة الأسعار المنافسة من العمالة الوافدة المستترة.
– توفير الخدمات الأساسية في بعض المناطق السياحية التي تخدم وتشجع الاستثمار فيها وخاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة المؤقتة، كخدمات الكهرباء والمياه والهاتف والإنترنت، والمظلات السياحية، وغيرها من الخدمات ذات العلاقة؛ وذلك للتقليل من استخدام المولدات الكهربائية المتنقلة التي تسبب تلوثا بيئيا- سمعيا وصحيا-.
– مراقبة الأسعار المتعلقة بألعاب الأطفال المبالغ فيها أيضًا؛ حيث إنّ الأسعار الحالية نراها لا تتناسب مع الوقت المتاح لكل لعبة، ولم يتم مراعاة الظروف المتعلقة بالأسر المعسرة وذات الدخول المنخفضة.
– ربط المناطق والمخططات السكنية من خلال الأنفاق، وليس بالضرورة عن طريق الجسور أو الدورات؛ إذ لا يعقل أن تكون ساكنًا منطقة ويفصلك شارع فقط إلى المنطقة الأخرى، ولكي تصل إلى تلك المنطقة عليك أن تجتاز على الأقل ٨- ١٠ كيلومتر، بينما لو وجدت الأنفاق لا يستغرق ذلك سوى دقائق قليلة.
آملين أن تصل هذه الملاحظات والمقترحات للجهات المعنية بالأمر من خلال صحيفة النبأ الإلكترونية، وأن تجد طريقها للدراسة والأخذ بها من أجل التطوير من خلال العين الأخرى التي رأت وتفاعلت مع الحدث والواقع، والله الموفق لما فيه الخير لخدمة هذا الوطن الغالي سلطنة عُمان قيادة وشعبًا ومقيما.