خِلاف، لا اختلاف
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة.
لا تخلو علاقاتنا الإنسانية من الاختلافات والاختلافات طبيعة جداً، والبشر مختلفون في كل شيء، ونادراً ما يتفقون دائماً.
لكي نفهم الحياة علينا أن نعي جيداً أن ما نراهُ قد يراهُ آخرون بمنظورٍ مختلف، وما نقوله أحياناً ليس هو ما يُفهم بحسب ما نقصده، لذلك تبدأ الاختلافات، وقد تصل إلى مرحلة الخِلاف.
هنا يجب أن ندرك أن أساليب من نتعامل معهم في استقبال الحوار معنا متباينة ومتنوعة، وليس كل ما نقوله عبر رسائلنا يصل كما نريد.
وهنا علينا أن نتفكر ونعيد النظر بمحتوى الرسالة المرسلة، والوسيلة التي يتم عن طريقها إرسال الرسالة.
تُعتبر الرسالة المكتوبة لغة جافة بدون ملامح صوتية أو مرئية، وهي رسالة غامضة أحياناً، ومن الصعب إيصال المفهوم المُراد كما يجب بالنسبة المرغوبة.
لذلك أرى أن لا نتعجّل في كتابة أيّ رسالة قبل أن نعرف الشخص المراد إرسال الرسالة إليه، فقد يكون السبب في عدم فهم الرسالة هو اختيار العبارات، فانتقاء الكلمات والعبارات سببٌ رئيسيّ في فهمها.
أحياناً الظروف التي يمرّ بها مستقبِل الرسالة غير مواتية لفهمها كما يجب، وعلينا اختيار الوقت المناسب، ولكن كيف لنا معرفة هذا الوقت؟
قد نواجه صعوبة وعلينا أستبدال الوسيلة والتوجّه للرسالة الشفهية.
الرسالة الشفهية قد تكون أكثر وضوحاً من خلال السرد والتفسير والتبرير والتحليل، إضافةً إلى أسلوب الحديث المتّزن، وطريقة الإلقاء التي تشدّ الانتباه والتركيز.
عدم البدء بالحديث في الموضوع، واختبار المتلقّي، هل هو في حالةٍ يستطيع فيها استقبال الرسالة أم لا؟
وهنا علينا تحديد ذلك لكي نتمكن من تحقيق الهدف المراد لإيصال الرسالة كما هي.
الرسالة الشفهية تعتمد على الصوت والاستماع، وتجد أن البعض من البشر لديهم حسّ، وإنصات جيد، ولكن البعض الآخر يتعجل في الحكم، وليس لديه الصبر لمعرفة كامل التفاصيل، وتحدث المقاطعة التي تشتّت المرسِل في طريقة إرسال الرسالة، وقد تتشعب الأفكار، ويتغيّر المسار، ويتم الولوج إلى مواضيع أخرى بعيداً عن الهدف من الرسالة الحقيقية، وهنا يحدث الاختلاف الذي يجرّنا إلى الخلاف.
الرسالة المرئية على أرض الواقع بشكل مباشر والتحدث في اللقاءات والاجتماعات هي الأنجح، حيث تتميز هذه الرسالة بفهم وترجمة المشاعر عن طريق السمع والبصر. والعامل الأقوى هو لغة الجسد التي تساهم كثيراً في فهم واستيعاب المتلقّي.
وهذه الرسالة هي الأفضل والأميَز عن الرسالتين السابقتين، ويفضّل في المناقشات المهمة والحساسة استخدام هذه الوسيلة، ولكن صعوبتها هي أن بعض الأمور لا تتحمل التأجيل وصعوبة اللقاءات، حيث يفضل الغالبية الواقع الافتراضي بالحوارات باستخدام وسائل التقنية الحديثة.
لو حدث الاختلاف وظلّ الأمر مجرد اختلاف، فالأمر ما زال تحت السيطرة، فالمُحاور الجيد مرسِل الرسالة يجب أن يتميّز بفنّ الحوار والإقناع، وكذلك لا بدّ أن يكون مستمع جيد ومُنصت لا يتعجّل بالرد.
أسباب كثيرة تؤدي إلى الخلاف، أهمها هو حبّ فرض الرأي والسيطرة، والتمسك بالرأي وإن كان ليس على صواب، وهذا من أسبابه النرجسية العمياء.
التنازل عن بعض الحقوق قد يكون أمراً مهماً، والاعتراف بالخطأ وإن لم تكن مخطئاً سببٌ من أسباب النجاح في إيصال الرسالة، وعلينا أن لا نتشدد في الحوار، وإعطاء الطرف الآخر حرية التعبير.
الاعتراف بالذنب فضيلة، وأنا شخصياً أعترف بفشلي في استخدام الطريقة الأولى، وإن كنت كاتباً ومعبّراً لِما أودّ أن أوصله برسائلي المكتوبة، ولكن تتأثر رسائلي بعدم معرفتي وإدراكي لعدة أسباب، منها:
– الوقت المناسب لإرسال الرسالة.
– عدم معرفة الحالة والظروف التي يمر بها الطرف الآخر.
– عدم القدرة على قراءة تفاصيل المستقبل الآنية، وقد يكون الاستعجال أحياناً.
وهنا أقدم اعتذاري لمن أسأتُ فهمه أو أساء فهمي من خلال رسائلي الواتسابية في المناقشات والحوارات التي انتهى أغلبها بالفشل.
أوجّه نصيحة لأعزائي القرّاء، بأن لا يحكموا على أي رسالة واردة، فقد يكون الطرف الآخر أراد أن يعبّر عن شيء، ولكن خانه التعبير.
لا نرغب بأن نصل إلى مرحلة الخلاف، خصوصاً مع أحبتنا وأصدقائنا وكل من تربطنا بهم علاقات مختلفة، وأوصي نفسي أولاً قبل أن أوصي غيري، بأن لا نستعجل في الردّ والحكم بمجرد تلقِّينا رسالة، وعلينا الإستيضاح بعيداً عن الكتابة، إما باللقاء أو الاتصال للبحث عن حلول ومعرفة محتوى الرسالة الحقيقي.
الاختلاف وارد، ونحن كبشر نخطئ كثيراً، وأنا أخطئ وأحتاج للتصحيح في كثيرٍ من الأمور، ولا عيب أن نخطئ، ولكن العيب أن نكابر ونُصرّ على أرائنا.
الحياة قصيرة ولا تستحق أن نسيء فهم بعضنا البعض، فلنتصالح مع الجميع، ونحسن الظن، ونأمل الخير دائماً.