(أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ…)
سعد بن فايز المحيجري
قد أفهم أن يرتدي ناشئ في المرحلة الابتدائية خيطا في معصمه، أو يلفّ بعض طلاب المرحلة الثانوية أو الجامعية أيديهم ببعض الأساور، وهي التي نلاحظها الآن ظاهرة منتشرة، تستحق الوقوف عندها، والنقاش حولها.
ما لا أفهمه، هو أن يرتدي ربّ منزل ومُعيل أسرة، ناضج، قارئ ومطّلع، مثل تلك الأساور والخيوط بألوانها المختلفة، وأن يتصدّر المشهد الإعلامي مذيع افترى على معاصم يديه بمجموعة من السلاسل متعددة الأشكال والألوان، ربّما يعتلي أحدهم منبر الرد حين يقرأ هذه الكلمات، ويقول: الناس أحرار فيما يرتدون. فأقول: حريتك تقف عند بداية حرية الآخرين، أنت تعيش وسط مجتمع يؤثر ويتأثر، وربما لا تُدرك تأثير سلوكك على مجتمعك وأبنائه، والتأثير قد لا يظهر حينها، فقد يبقى سلوكك مخزنا في الذاكرة، وحين يشعر الفرد المُتأثِّر بالأمان -من وجهة نظره- تبدأ مراحل التأثير الحقيقية. هذه الأفعال والسلوكيات لها أبعاد خطيرة على الجيل القادم، الجيل الذي يتربص به العدو من كل جانب، ولا يدع زاوية إلا ويركن فيها متحينا الفرصة في تغريب هذا الجيل، والنأي به عن دينه ومعتقداته وقيمه، فكيف نسمح لأنفسنا أن نكون إحدى الأدوات الهدّامة لهذا الجيل؟!
في يومٍ سألتُ أحد مَن يرتدي هذه الخيوط: لماذا ترتديها؟ فأجاب بعد أن رفع حاجبيه للأعلى –في إشارة إلى عدم اقتناعه بإجابته-: للزينة.
ربّما لا نتمكّن من إحكام مفهوم الزينة الرجالية بالشكل الدقيق لتدل على المعنى الصريح من منظور المواضعة اللغوية لضبابية الكلمة (الزينة)، بمعنى أننا لا يمكن أن نقطع بشكل نهائي ما الزينة الرجالية التي يرتديها الرجال؟ في حال أننا افترضنا وجوب الزينة الرجالية كما هو الشأن في قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ…) [الأعراف 31]، ولكن من باب المواضعة الاجتماعية، والأعراف التقليدية التي سادت مجتمعاتنا سالفا فقد نستطيع أن نتبيّنَ ونحدد الزينة الرجالية المناسبة التي لا تتعارض مع المواضعات المجتمعية والعرفية على أقل تقدير. وإن كان من باب آخر لا أحد منّا يستطيع الجزم بأنها أدوات كانت للزينة، فالجميع على غالب التقدير يعرف الأسباب التي جعلت من الأولين ارتداء تلك الأدوات التي تحوّلت في يومنا هذا إلى زينة، وهذا التحوّل الاستعمالي يعسُر التصدّي له، فقد أصاب كل مفاصل الحياة الإنسانية حتى على المستوى اللغوي.
ولكن أن يكون التحوّل ما يمسّ المستوى الأخلاقي والقيمي والعقائدي، ويتصل بها اتصالا مباشرًا دون وعيٍ منّا فهذا من الواجب على كل ذي لب أن يضع الخطوط الحمراء تحته، وألّا يسمح بتمرير هذه الجزئيات التي تُرى صغيرة متناهية، وهي في تأثيرها تدنو بصاحبها إلى جرف هار، ليصل ربما إلى الخروج من الدين والملة، وتلك هي الهاوية الحقيقية! وعلى القدوات أن يتنبّهوا إلى كونهم قدوات، فالمعلم، والأب، والمذيع، والرياضي الذي نُقِش اسمه على صفحات النجاح كلهم قُدوات، وكل فعل أو سلوك يتبنّاه أحدهم قابل أن يكون موضع تقليد.
قراءة في بعض المرجعيات الدينية والثقافية والاجتماعية للمجتمعات الغربية في دلالات ارتداء هذه المعنيّات –التي لا يتسع فضاء المقال لسردها هنا- قد تجعل كثيرا ممن اتخذوا الأساور والخيوط والسلاسل بأشكالها وألوانها رفيقة لمعاصمهم مراجعة حساباتهم في ارتدائها من عدمه. وللجوانب الطبيّة والأطباء رأي فيها أيضًا قد أختلف فيها معهم –من منظوري الشخصي على الأقل- لأنه لم يقنعني أولا، ولئلا يُتَّخذ ذريعة لارتدائها ثانيا.
إحالة: عنوان المقال جزء من الآية 18 من سورة الزخرف، ومن أراد معرفة العلاقة بينها وبين المقال فدونه كتب التفسير مبسوط فيها تفسير الآية، ولا شك أنه سيُدرك العلاقة المقصودة بينها وبين المقال.