بين المقصود وغير المقصود
عبدالله بن حمدان الفارسي
في إحدى المرات وأنا أتصفح الرسائل الواردة عبر تطبيق برنامج (الواتساب) راقت لي رسالة وصلتني من أحد الإخوة الذين لهم مكانة عزيزة ومقدرة في قلبي؛ لما يتمتع به من دماثة الخلق وجميل المعاني والتصرفات، ومكنون لا بأس به من المعرفة الثقافية الراقية، وكان مختصر الرسالة، ما يمكن اختصاره في جملة (خاطب الناس على قدر عقولهم).
نعم، تلك الجملة كثيرا ما توقفت عندها، الأمر الذي تسمّرت عنده أمهات عقلي، وهواجس قلبي، مسترجعا عبر تلك الجملة الكثير من المواقف والأحداث التي أثارت العديد من حملات الجدل الساخن والمؤسف في آن واحد بين الناس، وأثيرت حولها الكثير من القضايا والمناقشات عديمة القيمة، والتي تسببت فعليا بالقطيعة بين الأحبة، وهي في الأساس خالية الجدوى، وبالية المعنى، وما كان ذلك إلا بسبب سوء الفهم الخاطئ بين الطرفين.
هناك الكثير منا لا يترك لعنصر الإدراك والاستيعاب في ذهنه بأن يقوم بواجبه التحليلي بالطريقة الصحيحة والفطرة السليمة، لنجد أنفسنا نسابق الزمن لاستخراج ما هو سالب من مكامننا، ولنقع في مستنقع الظلم والتسرع غير الممنهج، والذي به دائما ما نصل إلى نقاط النهاية السلبية مع الآخرين، بسبب قصور القراءة الصحيحة للأقوال والأفعال لدينا.
معارك مفتعلة تصل لمستوى الاحتدام، وحرب ضروس ما زال بعضها يدور رحاها ما بين من كانوا رفاقا وأحبة في يومٍ ما، ما كان ذلك إلا بسبب كلمةٍ سبقت لسان قائلها، وفهمٍ مال عن مسار عقل المتلقي.
العقل هو جمال الإنسان، ومتمم لبقية النواقص الأخرى فيه، لذلك متى ما امتلكه -العقل- وكبح جماحه، وأحكم سيطرته عليه يكون بذلك قد تجاوز إسقاطات الندم، وأراح كاهله منها؛ فالندم فعلا لا يمكن أن يكون من ضمن أجندة العقلاء، ولا من ضمن محتويات قواميسهم، فمتى كان المحتوى راقيا وساميا وُجِدتْ الحكمة، وفي الوقت ذاته لا يعني أن الإنسان يخلو من النقص والعيوب، فمهما اكتملت عوامل الإيجابية لديه، فلا بد من وجود خلل ما يُفْقِدُ الشيء كماله، وهذه حكمة الله في خلقه، فلا كمال إلا في جلالة قدره وقدرته.
أحيانا حين تتولد لدينا ثقة ذات مستوى عالٍ بإمكانيات وقدرات الآخر، ونظن أننا قد وقفنا على سطح عقله وتعمقنا مكنون قلبه، نندفع بعفويتنا بالإفراط في التعامل معه، ونطلق لعقولنا العنان بالانطلاق إلى حيث شاءت، وكيفما شاءت؛ مما يؤدي إلى الوقوع في براثن الخطأ أولا منا، وثم من الطرف الآخر؛ نظرا لعدم اتزان المعنى الصحيح للكلمة لدينا، ولاختلال ميزان فهم المقصد لديه وتأرجحه، وبناء على ذلك يحدث ما يحدث من اصطدام وتضارب بين تقصد ولا أقصد.
للغة واللهجة والمصطلحات الدارجة والمستعملة في المجتمعات ما بين الأفراد دور كبير في توثيق العلاقات والتفاهم، وكذلك إزالة الغشاوة والضبابية المؤدية لسوء الفهم، أيضا لملامح الوجه والإيماءات والنظرات أساسيات لتمرير الفكرة والكلمة للمتلقي، من هذا المبدأ لا بد من ضبط مؤشر النطق وميزان الاستماع، والرقي بمستوى حسن النية لدى الجميع، قبل التعامل بالثقة المفرطة، أو بالفهم المتسرع.