من ذاكرة الطفولة .. رحلة لمستشفى طومس
سعيد بن خميس الهنداسي
ربما تكون هذه الرحلة من أوائل ما أحفظ من ذاكرة الطفولة، حيث انطلقنا من ولاية الخابورة “لمستشفى طومس” مستشفى الرحمة بمطرح، كان ذلك في نهاية عام ١٩٧١م على ما أذكر، مستقلّين سيارة لاند روفر ذات اللون الحليبي التي يملكها المرحوم علي بن حمود الكيومي، ويعاونه السائق مصبح بن عبيد القطيطي، والأطفال: محدثكم، وترافقني الوالدة حفظها الله، وأبناء خالي راشد “حمد وسعيد” والمرحومة والدتهم، وسعيد وعبدالله أبناء سالم البلوشي ووالدهم.
وأذكر أننا أخذنا معنا قِدراً يسمى “الهاندوه” وتمّ وضع تمر بداخلها، وإبريق سمن، ومع حركة السيارة انسكب السمن بالقِدر، وصرنا نأكل التمر بالسمن، وما زلت أذكر أصوات مولّدات الكهرباء في الشارع العام ونحن نسير في الليل، متابعين إضاءات التنبيه على جانبَي الشارع، حيث تقوم الحكومة خلال تلك الفترة بصيانة واستصلاح الشوارع والأودية في طريق الباطنة القديم بدءً من بركاء، وأما ما قبل بركاء فكان معالَج بالكنكري، وأذكر تناولنا عشاءنا بمطرح وما زالت رائحة “البشاور” الرز الهندي عالقة في أنفي، وأذكر شكل المشرب الزجاجي على شكل خلية النحل الذي شربت منه الماء، وأذكر أننا نمنا بوادي الطويان، وفي الصباح توجهنا للمستشفى، وأذكر السرير الذي نمت عليه، وحديث الدكتور طومس لي أثناء العملية، وفي تلك الأثناء احتجتُ لدورة المياه، وأذكر دورة المياه التي دخلتها في المستشفى والحمّام العربيّ النحاسيّ، فكل هذه المكوّنات والأشياء أراها لأول مرّة، فتعلَق في ذهني وفي الذاكرة.
وبصراحة كنت مندهشاً من كثرة السيارات وأحجامها، ومن البنايات وارتفاعها، ومن كثرة المحلات التجارية وتنوّع معروضاتها، فهذه زيارتي الأولى لمدينة بحجم مدينة مطرح العريقة والمتطوّرة والتي يقصدها القريب والبعيد.
وبعد مضيّ خمسين سنةً على موضوعنا هذا، سألت الوالدة لماذا كلفتم أنفسكم عناء الذهاب لمسقط من أجل عملية الختان؟ قطعتم أكثر من ١٦٠كم وقضيتم يومين وليلة، مع قلة ما في أيديكم في تلك الفترة؟ ومع أن غالبية الناس كانوا يختنون أولادهم في البلاد مع المختن الشعبي.
قالت: الحمدلله ما دمنا بهذا العمل نقتدي ونهتدي بسنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، أما بالنسبة للشخص الذي يقوم بهذه المهنة في البلاد، فهو شخص مجتهد، وعمله بدائيّ، وفيه نسبة مخاطَرة عليكم، وعمله معرّض للتلوث أو إصابة أحدكم بالنزيف لا قدّر الله، أو الإصابة بالالتهابات أو بالأمراض، ونسبة نجاح عمله قليلة، وفي حالة حدوث أخطاء فلا مجال للتصحيح، وبالنسبة لمبلغ الرحلة، فالله سبحانه وتعالى رزقنا به، المهم تكونوا بخير وصحة وعافية.
لهذا نفضّل أن تُجرى عملية الختان بواسطة طبيب مختصّ لحمايتكم من الأمراض أو العاهات، وحتى لا تؤث؟ر على صحتكم سلباً في مستقبل حياتكم، وحتى لا نندم فيما بعد، والأهم هو أن يكون ضميرنا مرتاح أيضاً.