كانت ليلة هادئة
عصماء بنت محمد الكحالية
كانت ليلة هادئة، وساعات ليلة متأخرة جداً، تتحرك ببطء على غير العادة.
أصوات المدينة بدت مختلفة، وألوانها باهتة، وحتى الطريق الذي اعتدتُ أن أسلكه بدا وكأن نبضه قد توقف فجأة .
لم أكن أعلم بأن تلك الليلة ستكون مختلفة عن بقية الليالي، لم أكن أعلم أنها الليلة
الأخيرة التي سوف أرى فيها جدّي.
لقد اعتدت أن أجلس بجواره في تلك الزاوية، نتبادل الأحاديث المتنوعة، ومنها الشيقة والمضحكة.
اعتدتُ أن نبحر بالأحاديث الطويلة.
في ليلة موحشة ذهب كل هذا النعيم، وأصبح العالم مظلمًا في عيني، دون أن يلاحظ أحد، لم أعد قادراً على حمل جسدي، جلست على الأرض، فجأةً ذهبتُ لزمن بعيد، بعيد جداً وأنا أراه في كفنه، وكأن الطيور التي كان يطعمها تحمله إلى السماء، وكأن الأشجار التي كان يسقيها ويتظلل تحتها ذبلت، تساقطت أوراقها.
وقفتُ مرة أخرى أختلس النظرة الأخيرة إليه، دون أن أكترث لِما يدور حولي، وبدأت أتأمل كالطفل، كيف أن ابتسامته لا تفارق شفتيه؟
بدا وكأنه ملاك نائم، وددت ولو للحظة أن أغلق الأبواب، وأن أسكتهم جميعاً من البكاء، وددت أن يستيقظ من نومه، ولكن بدون جدوى.
مرت لحظات، ثم عمّ السكون، وأنا أتأمل في ذلك كله، كنت أتمنى لو ألتقط صوته الحنون وهو يناديني بين صدى الأصوات الأخرى، تتردد الأصوات بالدعاء له بالرحمة، وصوت آخر يردد: احملوه للصلاة عليه، وصرخات هنا وهناك، إلى أن استوقفني صوتٌ واحدٌ من بين ذلك الضجيح كله، صوت جدتي وهي مكسورة، وهي تقبّل جبينه الطاهر، وتردّد: رحمك الله رحمة واسعة، حينها وعيتُ على نفسي وأنا أرى نعشه محمول على أكتافهم، يحلّق وكأن الملائكة تحمله، انتقلت الروح إلى بارئها.