سجن البشرية
هالة حمد سليمان الحضرمية
وصلنا إلى القرن الحادي والعشرين، وما زالت قوانين البشر تستوطن الكثير من الناس، ولربما نكون منهم دون أن ندرك، وأعني بكلامي تلك القوانين المتوارثة التي لا أصل لها، فمن الغريب جداً أن مفهوم النجاح مرتبط بالعُلا، فترتبط به عبارات مثل: (ستصل إلى القمة، سلّم النجاح .. إلخ)، ولكن ماذا سيحصل إذا وصلنا للأعلى؟ سنرى السماء؟ ثم ماذا سنحصد منها؟ هل سنلتقط النجوم أم نلمس الغيوم؟، لنقف هنا ونعكس الموقف، ماذا لو خالفنا القاعدة وربطنا النجاح بالقاع؟ وأنتم أعلم بثروات القاع من كنوز ولؤلؤ ومرجان، هنا نكون قد ربطنا النجاح بشيءٍ واقعيّ ملموس، ولكن ستظلّ البشرية تربط النجاح بالعُلا حتى يتوقف تناقل أفكار دون التفكر بها.
نرى في عصرنا اليوم أن الناس ربطت اللون الوردي بالإناث، والأزرق بالذكور، ويرجع السبب الرئيسي لذلك للفكر البشري السائد الذي يُتوارث دون وجود أصل ثابت أو مبرر واضح خلف ذاك السلوك.
في أربعينات القرن الماضي كان الوضع عكس وضع يومنا هذا، ففي عام 1940م كان الاتجاه السائد هو اللون الوردي للذكور والأزرق للإناث، وذلك لأن الوردي أكثر جُرأة، وهو مُرتبط بلون العضلات، أما الأزرق فهو لون هادئ يناسب الفتيات، ومع مرور الزمن تختلف الأفكار ويتبعها الناس بدون سبب واضح، أو بالأحرى لأنها أصبحت موضة، وعندما نتجرد من الأفكار العتيقة هذه، ندرك أن لا مشكلة في ارتداء أي جنس لأيّ لون، فلا يوجد لون محدد يزيد من رجولة الرجال أو أنوثة النساء، الأفعال وحدها من تحدد ذلك.
أحد عجائب البشر أنهم يطلقون كلمة مُثقف على كل قارئ للكتب، ولكن الثقافة لا تأتي من الكتب فقط، وليس كل قارئ بمثقف؛ فالمثقف هو من استقام واستوى بفضل معرفته الواسعة، وكم من فئات من الناس قارئة، لكنها ليست مثقفة، وأفعالها في المجتمع تدلّ على ذلك، والكتب ليست وحدها من تصنع الشخص المثقف، فمن الممكن اكتساب الثقافة من موقف، مقطع مرئي (فيديو)، إذاعة الصباح، أو كلمة قيلت لنا.
بالمختصر، حتى من هو أُمّيّ، قد يكون أكثر ثقافة من القارئ ذاته، وهذا أيضاً مفهوم متناقل في مجتمعنا دون التفكّر به.
رسالتي لك أيها البشري، اعمل مثلما قال الشاعر التونسي أنيس شوشان:
“يا ابن آدم، خلقك الله مُختلف، فبربك باختلافك اعترف، وفي تفرّدك احترف.
كن خليفة الله على الأرض باختلافك، ولا تتبع ذاك القطيع.
عش حراً يا بن آدم، فهذه الأرض للجميع”.
نعم اختلف ولا تتبع ذاك القطيع، ومثلما قرأت”.
هذه الأرض للجميع “فلا تجعل القوانين البشرية تتحكم بك، وعِش كما تحب وليس كما يحبون، هذه حياتك أنت لا هم، فعِشها قبل أن يعيشوها فتغدو نادماً.