2024
Adsense
الخواطر

أيام الذاكرة

عصماء بنت محمد الكحالية

تذكرونها ضحكتنا يوم كنا صغاراً، مرحنا، شقينا، صخبنا، هدوءنا، ضجيجنا، فرحنا، حزننا، بهجتنا، ألمنا. كنا نصنع الفارق بأبسط شيء ممكن، نضحك فنملأ الوجود سعادة، نفرح فنبعث الفرحة في قلوب وعيون من حولنا، نتألم فيتألم الجميع لألمنا، ومن دون أي تصنع أو تكلف نطلق العنان لضحكاتنا لتملأ الوجود فرحاً، نهرول مسرعين، نطارد أحلام الطفولة بأقصى سرعة ممكنة، نضع نقطة النهاية وهمية، وكأننا نمضي مسرعين.

كانت الأيام تمضي بسرعة خاطفة من دون أن نحس بها، نكبر وتكبر أحلامنا الصغيرة، نحلم ونحلم من دون أن نفكر في إمكانية تحقيق الحلم من عدمه، ومعاً عبرنا حدود مرحلة الطفولة التي سرقها الوقت منا خلسة دون أدنى مقاومة من قبلنا، وكلما كبرنا سيراودنا الاشتياق مرات ومرات إلى سنين كانت الأروع بالنسبة لنا، وسيزداد الاشتياق ليبلغ مبلغاً لم يبلغه من قبل، تتجاوزنا السنين الأولى برفقة من حولنا مترقبين القادم من الأيام من دون أن ندرك بعقولنا الصغيرة أن الأيام التي تمضي لن تعود مجدداً، ويالها من أيام مضت الأيام! تخطينا المرحلة وفي جعبة الزمن القادم مراحل عديدة سيكشف النقاب عنها، وكلما مرت مرحلة انضمت إلى سائقيها في نسق، تتوالى فيه مراحل التي تضم مشاهد عديدة وهي الأخرى تضم في خصمها تفاصيل تضاف تلقائياً إلى ذاكرتنا التي ستستقبل المزيد والمزيد من دون أن تضيق ذرعاً بالقادم من هناك أو من هناك، كنا نعشق اللعب لحد الجنون نلهو ونمزح حتى ننهك من التعب فنعود مرهقين؛ ولكن المتعة تظل حاضرة في كل حين، كبرنا وكبرت أحلامنا، حملنا حقائبنا وهي إلى المدرسة حيث تتعدد الوجوه وتزدحم الصفوف، في أول يوم ترتسم على وجوهنا ملامح الخجل والترقب، نتبادل النظرات وتتعدد الأسئلة، ومع توالي الأيام يصبح الواحد منا كتاباً مفتوحاً للآخرين، تبدأ الذاكرة في اختزال أسماء جديدة، وجوه مختلفة، وأصدقاء جدد، تعلو وتيرة الأحداث وترتفع الأصوات منادية باسم هذا واسم هذا، ويبدأ بعدها اليوم التالي بأحداث جديدة تختطف الأنظار من اليوم السابق، نصحو باكراً رغم رغبة النوم التي تلح علينا في البقاء على أسرتنا، نقعد مع البقية مكان انتظار إلى أن تلوح حافلة المدرسة من بعيد، نستقبلها بلهفة وشوق، ونتوافد جميعاً لحجز أحد المقاعد، والصراع الكبير كان على المقعد الذي يكون في الأمام وحيث النافذة. كذلك في هذا اليوم بدأت الصورة تتضح رويداً رويداً، بدأنا نتأقلم مع العالم الجديد الذي دخلنا إليه، ومع مرور الأيام عبرنا الصف الأول والثاني والبقية تباعاً، والفرحة التي تعقب كل نجاح كانت لا توصف.

مرت الأيام بسرعة البرق ولا زلنا نناظر الأمس البعيد القريب، نتذكر ضحكتنا يوم كنا صغاراً، مرحنا شقينا، صخبنا، هدوءنا، ضجيجنا، تلك أيام لا زلت أذكرها جيداً؛ فماذا عنكم ألا زلتم تذكرونها؟؟!

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights