ماذا نريد من جيل المستقبل؟
جمعة بن مرزوق العويسي
العالم الحالي يمر بتحولات سريعة لا متناهية، في جميع مجالات الحياة المعاصرة، فما كان للحصول على بعض المعلومات تحتاج لسنوات عديدة، أصبح بالإمكان أن نحصل عليها في ثانية أو حتى جزء من الثانية، هذا التحول السريع نحتاج أن نواكبه حتى نبقى في مقدمة الأمم المتقدمة، والتي تعمل ليل نهار لأن تكون مخرجاتها التعليمية قوية، بالتالي ينعكس ذلك على قوة كياناتها، في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والصحية والتعليمية.
ومن الجوانب الأساسية والهامة جدا في تقدم الأوطان، هو بناء الإنسان بتعليم راق يطمح له كل من همه وطنه بأن يراه مزدهرا، متطورا، ذا قوة وشأن في هذا العالم، الذي لا يعترف إلا بالقوي، المتمكن، الذي لديه كلمة عالية، ونفوذ يحقق هيبة يحسب له حساب بإذن الله.
فالسؤال الذي يجب علينا أن نسأله كوننا تربويين: ماذا نريد من جيل المستقبل؟
جيل المستقبل نتأمل منه الكثير فهم ركيزة أساسية في بناء الوطن، بالتالي نريد منه أن يكون مفكرا تفكيرا ناقدا، لديه فكر إبداعي وابتكاري، نير منفتح لا منغلقا، نريد منه أن يكون مكتشفا، مخترعا، نريد منه أن يكون مبادرا، متعلما تعلما ذاتيا، مطلعا لكل مستجد من حوله، قارئا قراءة نقدية متزنة، مستمعا ومنصتا ومشاهدا للمعرفة ومميزا لها بين ما هو صواب وما هو خطأ.
بالبداية أتحدث عن الفكر الناقد والقراءة النقدية، فمن خلال المشاهدات اليومية، وما يحسب على أن بعضهم علماء ومشايخ علم في مجال الشريعة وعلماء تاريخ من وجهة نظر العامة، الذين يستمعون لهم ويشاهدونهم في الشاشات بمختلف أنواعها وأشكالها، يجد ذلك الذي يعي ويفهم، أن الاستشهاد بأدلة أقل ما يقال عنها من لديه مستوى تعليمي متدني، بأنها ضحلة، وثقافة بمعرفة قاصرة وأن الفكر الناقد لديهم شبه معطل، وإنما كلام محفوظ، منقول، من أمهات الكتب القديمة، ولا يكلفون أنفسهم بالبحث الاستقصائي، بأن هذا الكلام الذي يتحدثون به بأنه مغلوط، ولا أساس له من الصحة في شيء، لذا غربلة هذه الكتب وتنقيحها وتصحيحها أصبحت ضرورة ملحة، في ظل غسل الأدمغة الذي يتعرض له شباب الأمة الإسلامية، لذا تدريب الطلبة على القراءة النقدية ونقد كل ما يعرض عليهم من معلومات، صحتها من خطئها، صوابها من عدمه من خلال موضوعات المناهج الدراسية التي تقدم لهم باستراتيجيات العصف الذهني التي تنفذ بالمواقف الصفية لها أهمية كبيرة ودور كبير في إيجاد جيل ناقد لكل ما يقرأه أو يسمعه أو يشاهده.
ومن جانب آخر أتحدث عن الاقتصاد المعرفي، وبأن هذا العالم توجهاته اختلفت تماما عن السابق، حيث أن الاقتصاديات معتمدة على ما تجود به هذه الأرض مما تخزنه في باطنها فقط، فهذا الاقتصاد المعرفي يحتاج إلى فكر ابتكاري إبداعي مواكب لاحتياجات سكان هذا العالم بصفة مستمرة، وبناء عليها يستطيع هذا العقل البشري أن يخترع ويكتشف، فعلى سبيل المثال: بعض التطبيقات بالهواتف الجوالة التي نستخدمها بصورة لحظية، موازنتها تقدر بمليارات الدولارات، علاوة على فرص العمل الكثيرة التي توفرها سنويا، فهذه الجوانب تحتاج إلى عمل وجهد مضاعف لإعداد هذا الجيل المبتكر والمخترع والمكتشف، من خلال معرفة توجهات وميول الطلبة منذ النشأة والسنوات الأولى من دراستهم، ومن ثم رعايتهم والاهتمام بهم، حتى عندما يصبحون في مرحلة الشباب، لديهم القدرة على عمل اختراعات، حتى ولو تكون في بدايتها بسيطة ومتواضعة؛ لأن كل تلك الاكتشافات التي نستمتع بها حاليا، ليست بهذا الشكل الذي نراه في الوقت الراهن.
فالتاريخ في هذا الجانب يعلمنا بأن من لديه مثل هذه القدرات الإبداعية، أعدادهم معدودة بالأصابع، لكن آثارهم ستظل مئات السنين تذكرها الأجيال المتعاقبة بإفادتهم للبشرية جمعاء، فعلى سبيل المثال مخترع المصباح الكهربائي توماس أديسون قامت والدته بتسجيله في مدرسة محلية بالولايات المتحدة الأمريكية، لكنه طرد بعد ثلاثة أشهر فقط من دخوله المدرسة، فمعلموه رأوا أن لا مكان له في المدرسة، فقد كان فضوليا ينشغل بكل ما حوله ويطرح الأسئلة باستمرار، وقدروا أنه بطيء الاستيعاب، وغير مؤهل للتعليم المدرسي.
فقد كانت المناهج الدراسية والاستراتيجيات المستخدمة تركز على الحفظ والتلقين، مما جعله يشعر بالملل أثناء الحصص الدراسية، فظنه أساتذته بليدا ومتخلفا عقليا، لكنه أبدع في مجال مختلف، مجال يستخدم فيه جانبه المهاري والحركي، وهذا غير متوفر في المدرسة آنذاك.
بالتالي مركز للأبحاث العلمية والاكتشافات النوعية مطلب مهم في عصر العولمة هذا، مركز فاعل بمسماه وتوجهاته وفاعليته، وبإفادته على أرض الواقع بالمجتمعات التي يخدمها، متطور بذاته، مستعينا بخبرات الآخرين في مجالات علمية متعددة.
وهذا لن يتأتى إلا باكتشاف المبدعين والموهوبين منذ الطفولة، وتبني تلك المواهب والإبداعات، طوال سنوات الدراسة النظامية حتى الوصول لهذا المركز الفاعل، الذي يتبنى تلك الاختراعات والاكتشافات، وصولا لشركات محلية ومن ثم شركات عابرة للقارات.
بهذا التوجه نستطيع أن ننتقل من اقتصاد تقليدي قديم إلى اقتصاد حديث مواكب للعصر، من أجل عيش كريم وحياة سعيدة لهذا الإنسان الذي خلقه رب العالمين لعمارة الأرض وإصلاحها.