كَبُرنا ولم تَكبر قلوبنا
مريم شملان
كأننا ما زلنا صغاراً، وكأننا لم تمرّ علينا السنوات والأعوام. كَبُرنا وتبدلت أحوالنا، ووجدنا طريقة لإيجاد ما نعشقه في الحياة، وهي النقود التي كانت منذ سنوات مضت مصدر تَحسّف وأحلام، والبعض ما زال إلى الآن مثل ما تركته الأعوام التي مضت لم يتغير، وما زال يجاري الحياة البسيطة للقمة عيشه، وما إن يجد ما يُفرح قلبه من أوراق نقدية كثيرة كانت أو قليلة، تُبهج نفسه وتثير شعور الفرح بداخله، ويكون أول مكان يذهب إليه هو مركز التسوق، أو بقالة تكون قريبة من المنزل، ليبعثر تلك النقود وشراء ما يُحبه قلبه هو وأطفاله إن كان لديه أطفال، أو من يُحب أن يكون معه، أو وحيداً ليس لديه من يرافقه، ليدفع عربة التسوق بكلتا يديه، ويشتري ما يرغب من تلك العروض الملفوفة في عُلب فخمة، وعبارات التشجيع والخصم مكتوبة بطريقة تجعل من لا يرغب بها يقف لِيمّتع ناظريه بما وجد، ولمتعة تذوقها يخضع لها القلب وتحنّ لها النفس، وتطيل الوقوف، وتلازم تلك الرفوف الموضوعة على مسارات طويلة وبأحجام ضخمة، ولكنها لا تُغني عن حلويات دكان “نانوه” ورائحتها الزكية التي استوطنت عقولنا وأحلامنا الصغيرة.
ما زالت قابعة في الذاكرة تنظر إلينا وتذكرنا بماضٍ كانت تعتصر فيه القلوب لرؤيتها، وعدم المقدرة على شرائها، والتي بهذا اليوم تغيرت كثيراً بالشكل والنوع، والبعض من الحلويات والشوكليت أصبح ليس له الشكل أو المستوى الجمالي كما كان سابقاً لحلويات الأجيال التي تركت في قلوبنا بصمة لقلة “البيسات” أو من عدمها، لتكون بالتوسل “لنبع الحنان” والإلحاح عليها حتى تتم الإجابة والقبول، على أن الأخذ منها كثيرها وقليلها مكتوبة ومقيدة بلغة لا نفهمها في الدفتر، محفوظة عند “نانوه”، الذي يستمر في تكديس ما لذّ وطاب من ألعاب وعلكة وحلويات كثيرة من كل نوع، على طاولة قديمة غير مرتبة، يَحرسها بعينيه عندما يرى الأيادي تمتد والأصابع الكثيرة في أخذ وشراء ما تم عرضه، والتشديد في حراستها عندما تعلو الأصوات، ويزدحم الدكان ليتم نهب “نانوه” بعضاً مما يكون على تلك الطاولة، ليتم بعد ذلك الحراسة فقط على صندوق الطاولة المملوء بأوراق فقدت رونقها وجمالها، ولُطخت بالحلوى واتسخت وامتصتها الأكفّ لأوقات طويلة للحفاظ عليها حتى وصلت لتلك الخزنة، ليتم بعد ذلك اختفاء الصغار واقتراب المغرب وظهور ما بعد المغرب للشباب والرجال والعمال الوافدين الذين يلعبون “الكيرم”، فترة الأُنس لوقت ما بعد صلاة العشاء وفترة الراحة ليلاً، ليكمل “نانوه” مسيرة بيع الحلويات والمشروبات، ويتخلل ذلك الليل لعب الورق والتي افتقدناها بالبقالات المنتشرة في كل شبر من بلادنا الحبيبة، وصغار تلك الأعوام بالرغم من تبدل الوقت والعمر ما زالوا يمضغون العلكة ويأكلون ما طاب لهم، لم يغير نمط حياتهم تربية الآباء ولا نصائح الأمهات على ما اعتادوا عليه، أولئك الصغار، جيل الملصقات والبالونات، جيل كان لديه خطوط يقف عليها، فمن الأهل والمجتمع كسب التقدير والاحترام والالتزام، وتعلم الصبر والشدة، ولكن لم يغيروا ما اكتسبوه من عادات طفولية جميلة نشأت معهم وستبقى.