2024
Adsense
قصص وروايات

قصة قصيرة ( شجرة الزام ) الجزء الرابع

خلفان بن علي بن خميس الرواحي

تصل آمنة وزوجها إلى البيت، وسريعًا تتجه إلى خزانة ملابسها، وتخرج تلك الورقة التي قد خبأتها منذ لحظة اجتماعها مع الطفل. نظرت إليها طويلًا وهمت في تقطيعها؛ فقد تكون هي التي سوف تحرمها من هذا الطفل!

حاولت ولكنها لم تستطع، وقالت في داخلها: “أمر هذه الورقة لا أحد يعرفه غيري أنا، ولن أخرجها مهما صار”. ثم تقف بعد أن تركت الطفل نائمًا على سريرها، وتضع الورقة حيث كانت، وخلال ذلك يدخل يحيى ويجدها واقفة أمام الخزانة، وعندما شاهدته ظهر عليها الارتباك عندما سألها عن ماذا تبحث في الخزانة، ذلك الارتباك أدخل في نفسه شكا بأن زوجته تخفي أمرا عنه…! وفي تلك اللحظة لم يرغب في الإصرار عليها واكتفى بقوله: “ألم تحضري لنا شيئًا حتى نأكله.. أجد نفسي أشعر بجوع شديد…”. نظرت إليه وهي مقبلة عليه بعد أن تأكدت من غلق باب الخزانة.. وردت: “بإذن الله، الآن سوف أعد لك طعاما.. أنت انتظرني قليلًا بالصالة ودع الطفل نائمًا”. ثم يخرج يحيى أولًا وتتبعه هي وتغلق الباب خلفها..

هناك في المطبخ، ما زال منظر يحيى وهو ينظر إليها وهو خارج من الغرفة عالقا وتقول: “أظن أن يحيى دخله الشك، وأخاف أن يذهب لتفتيش الخزانة ويجد الورقة، فالأفضل أن أغير مكانها.. وأستغل الفرصة عندما يتناول الطعام”.

في المركز- مركز الشرطة- كانت هناك حركة غير طبيعية، الكثير من سيارات التحقيقات الجنائية قد حضرت؛ فقد تواصل الضابط “أمين” مع القيادة وأبلغهم بالعثور على طفل يمكن أن يكون هو الطفل الذي تم الإبلاغ عن اختفائه في الأيام الماضية.. جلس “أمين” مع الضابط المسؤول عن القضية في القيادة، فبادره بالسؤال: “من خلال التحقيقات التي قمتم بها ما قصة اختفاء هذا الطفل؟، رد عليه ضابط التحقيقات: “القصة طويلة نوعا ما، وهي متداخلة، وسوف تتضح لك من خلال تحقيقك المستقل مع المرأة التي بلغت عن الاختفاء”. هز “أمين” رأسه موافقًا على كلامه، ثم ضغط على سر النداء الذي بجانبه، وحضر أحد الأفراد، وأدى التحية: “أمرك سيدي”. ثم أردف “أمين”: أريد ملف الطفل الذي وجدناه حتى يطلع عليه…”، ثم يشير بيده لضابط التحقيقات. يخرج الشرطي ويعود بالملف ويسلمه إليه، وبدوره يسلمه لضابط التحقيقات الذي يستلمه ويقول: “سوف آخذ الملف وأقوم بدراسته في غرفة التحقيقات وأتركك تنهي أعمالك ونلتقي بعدها”. وقبل أن يخرج من عنده تناول حقيبة كانت معه، وأخرج منها ملفا وسلمه ل”أمين”، وقال: “وهذا الملف به التحقيقات التي قمنا بها بالقيادة..”. لم يتمالك أمين نفسه ويده مندفعة لفتح الملف لمعرفة المزيد من التفاصيل حول القضية.. رفع يديه ويضعهما على جبهته، ويضغط بهما على رأسه ويتمتم بكلمات في داخله.. ينهض واقفًا والملف بيده، ويتحرك وهو يقرأ ويحرك رأسه مستغربًا مما يقرأ! يضع الملف جانبًا ويخرج من الغرفة ويذهب إلى غرفة التحقيقات لمقابلة الضابط هناك.. يطرق الباب وصوت من الداخل يقول له: “تفضل”.. يدخل ويلقي التحية ويقول: “أريد أن ألتقي بهذه المرأة إذا ممكن لمزيد من التحقيقات حول البلاغ الذي قدمته لاختفاء الطفل”.
ضابط التحقيقات: “لك ذلك.. سوف يتم استدعاؤها غدًا، ويمكنك الجلوس معها وربما تصل لأمر لمن نصل إليه نحن؛ لذا عليك غدًا الذهاب إلى القيادة والجلوس معها وسوف أتواصل معهم لطلبها مرة أخرى”.
تبدو السعادة على “أمين”؛ فكان داخله رغبة في التعرف على القصة كاملة؛ فقد أصبحت قصة المرأة أكثر غرابة من موضوع اختفاء الطفل..، من ثم يستأذن في الخروج، وقبل أن يخرج يقول له ضابط التحقيقات: “عندما تعود سوف نطلب حضور يحيى وزوجته والطفل حتى نكمل عملنا، فقد تظهر لك أمور تساعدنا هنا”. يهز “أمين” رأسه، ويقول: “بإذن الله تعالى”، ويخرج من عنده.

أصبحت القرية ليس لها حديث إلا يحيى والطفل والمآل الذي سوف يكون في نهاية الأمر؛ هل سيظل الطفل عنده؟!
“شاكر” أحد رجال الشيخ هاشم قال لمجموعة كانت جالسة تحت شجرة الزام تناقش القضية، وكل واحد يحللها من وجهة نظره: “سمعت الشيخ يقول إن الموضوع ما زال في يد الشرطة، وتعهد يحيى بالمحافظة على الطفل، وأن هناك بلاغا عن اختفاء طفل وصل إليهم من القيادة..”. صرخ أحدهم: “قلت لكم: إن الموضوع ليس سهلا.. سوف يظهر أن يحيى قد اختطف هذا الطفل من إحدى المستشفيات”. هز الجميع رؤوسهم بالموافقة على كلامه!. وقال آخر: “سوف تكون نهاية يحيى السجن على فعلته…”.
قال شاكر: “هذا الكلام ليس صحيحًا.. يحيى رجل طيب، ولا يخرج منه مثل هذه الأفعال.. ننتظر والأيام وسوف تكشف لنا الأمور فلا نستعجل في الحكم عليه”.
يتفرق الجميع بعد ذلك، وكل واحد يذهب إلى مكان، وفي أثناء ذهابهم يرون آمنة قادمة تحمل الطفل في حضنها.. الكل ينظر إليها بدون حديث.. فقط نظرات فيها شيء من الاستهجان! حتى أنهم لم يردوا عليها السلام على غير عادة أهل القرية معها.. لم تعر للأمر أهمية، ومضت في طريقها. كانت متجهة إلى شجرة الزام.. وصلت وجلست تحت ظلها وبدأت تتحدث إليها.. وتقول: “لقد تحقق حلمي بوجود طفل في حياتي، والفضل لك.. فقد وجده زوجي عند جذعك، واليوم جئت إليك حتى تساعديني على الاحتفاظ به وعدم أخذه مني…”.
لقد كانت تحدثها حديث المتيقن! وبأن هذه الشجرة لها كرامات وبركات.. ثم أخرجت شيئًا من صرة ونثرته حول جذع “الزامة” ورحلت .
الأطفال كانوا يراقبون آمنة فيما تفعل. سريعًا يركضون لجذع الشجرة ويجمعون ما نثرته حولها، ويركضون بها إلى دكان الحارة ليشتروا بعض الحلويات بتلك القطع النقدية.. كان ذلك دأبهم دائمًا؛ يتحينون الفرصة لأخذ النقود التي تُقدم شكرًا للشجرة على تحقيق الأمنيات، في حين أن من نثرها كان يفرح عندما يراها قد اختفت، ظنًا منه أن الشجرة قد رضت عنه وأخذت نذره..

وفي طريق عودتها أحست آمنة بثقل في رأسها ودوار لا تعرف سببه، فقد كان يتردد عليها كثيرًا في الأيام الأخيرة ولكن لم تهتم به.. تصل البيت وتجد زوجها ينتظرها على الباب ومعه أحد رجال الشيخ: “هيا تحركي فإن مركز الشرطة اتصل بالشيخ هاشم ويطلبون حضورنا إليهم.. هات الطفل معاك..”. ترتبك وتقول: “الطفل .. لماذا؟ سيأخذونه مني؟!”.
يحيى: “لا أدري.. ربما في الأمر شيء جديد.. تحركي لا تتأخري فالشيخ هاشم ينتظرنا…”.
تدخل آمنة للبيت وتخرج بعد أن لبست العباءة عليها.. يتحرك الرجل وخلفه يحيى وآمنة حتى يصلا بيت الشيخ.. الكثير من التساؤلات تدور في رأسيهما، ولكن لا يتحدثان.. فقط مجرد نظرات متبادلة بينهما تتلاقى في مكان واحد؛ وهو ذلك الطفل.
وفي مركز الشرطة كان الضابط “أمين” قد قرأ ملف التحقيقات في القضية، وبدأ يفك رموزها. (ثريا) امرأة بلغت قرابة الأربعين، ولم ترزق بأولاد لفترة طويلة، وقد شخص الأطباء حالتها مع زوجها بأن زوجها عقيم ولا تنجب.. لقد كان لديه ضعف في الحيوانات المنوية وحاولا كثيرًا ولكن للأسف، لم يحدث حمل، ولكن قدر الله وحملت (ثريا ) ودخل الشك إلى نفس زوجها( شاكر )، وبدأت المشكلات.
حاول جاهدًا أن يجبر (ثريا) على إجراء عملية إجهاض ولكنها رفضت.. ثم بلغ الأمر إلى الطلاق.. وعندما وضعت مولودها كانت خائفة عليه؛ فقد هددها كثيرًا بأنه يتخلص منه ولا يريد أن يحمل اسمه، وهو ليس ابنه…!
لقد كانت (ثريا) تراقب ولدها كثيرًا في أثناء وجودها في المستشفى، حتى تكاد لا تنام خوفًا من (شاكر ).. كان يتحين الفرص وحاول أكثر من مرة أخذه ولكنه فشل؛ لأن الظروف لم تأتِ في صالحه دائمًا إلا تلك الليلة التي تركت (ثريا) مولودها على سريره وذهبت لدورة المياه؛ فقد كانت تعاني من العملية التي أجريت لها للولادة، فلم تكن ولادتها طبيعية.. حينها دخل (شاكر) وأخذ الطفل.. واختفى .. وعندما رجعت لم تجد ابنها، وأبلغت إدارة المستشفى وحضرت الشرطة، ومع التحقيقات اتهمت زوجها السابق باختطاف طفلها.. فقد بحثت الشرطة عنه، فلم تتمكن من الوصول إليه.. وبعد البحث والتحري عندها تواصلت الشرطة معها، وأبلغتها بالعثور على طفل أحست – ثريا- بفرحة كبيرة، وأن هذا الطفل هو ابنها، وسيعود إليها.. ففي التقرير وصفت (ثريا) ملابس الطفل قبل أن يختطف وأنها كانت تدس في ملابسه الداخلية ورقة..

هنا تنبه الضابط (أمين) وعاد لتحقيقه مع (آمنة) وملاحظته لارتباكها خلال التحقيق، وقال في نفسه “أكيد ذلك الأمر الذي تخفيه آمنه هو تلك الورقة…”.
طرقات على الباب.. “تفضل”، قالها الضابط أمين.. يدخل أحد أفراد المركز ويؤدي التحية، ويرد عليه الضابط أمين.. “سيدي الشيخ هاشم وزكريا وزوجته في الانتظار ..”.
الضابط: “حسنًا لحظات وسوف أطلب حضورهم.. أبلغ الشيخ بأني أكمل عملا بسيطا ويدخلون…”. الشرطي: “طيب سيدي”.. ثم يؤدي التحية وينصرف.

في غرفة الانتظار الشيخ وزكريا وآمنة لا يتحدثون.. فقط مجرد نظرات متبادلة وأحيانًا تذهب تلك النظرات إلى الباب تترقب دخول الشرطي ليأذن لهم بالدخول على الضابط لاكتشاف سبب طلبهم!
يأتي الشرطي ويقول للشيخ: “يا شيخ لحظات وسوف يطلبكم الضابط أمين للدخول عليه.. فقط ينجز عملا بيده…”.
الشيخ هاشم: “لا بأس نحن في الانتظار”.
صمت يخيم على القاعة وزكريا يدخل يده ويخرجها من جيب “دشداشته” وكأنه يخفي شيئا ما.. ذلك الشيء هو تلك الورقة التي أخفتها آمنة وقد أخذها في أثناء ما كانت تعد له الطعام ونست تغيير مكانها، وكذلك حضور رسول الشيخ زاد الأمر فلم تذكرها..
لاحظ الشيخ هاشم حركة زكريا غير الطبيعية، ولكنه لم يسأله.. آمنة لم يكن همها إلا الطفل الذي بيدها، فكانت لا تفكر في شيء تلك اللحظة إلا فيه.. يدخل الشرطي وينادي على الشيخ ومن معه: “تفضلوا بالدخول..، الضابط ينتظركم…”.
ينهضون ويتحركون من مكانهم للقاء الضابط. لقد نهض الشيخ سريعًا في حركته؛ لأنه لا يحمل همًا كبيرا، بينما هما يسيران ببطء شديد.. فزكريا يمسك جيبه بشدة وآمنة متعلقة بالطفل.. وماذا سيكون بالداخل؟ ذلك السؤال الذي يدور في رأسيهما.

للقصة بقية سوف نتعرف عليها في الجزء القادم إن شاء الله…

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights