2014
Adsense
مقالات صحفية

رحلة أوربية “شامونيه الفرنسية”

سعيد بن خميس الهنداسي

بعد أن قضينا أوقات ممتعة بمدينة فينيسيا الرائعة بين قنواتها وقواربها وجزرها وجسورها وحضارتها العظيمة، انطلقنا إلى مدينة أوروبية أخرى متميزة عالميا وتصنف كثالث أكثر موقع طبيعي زيارة حول العالم؛ إنها مدينة شامونيه الفرنسية الجميلة، وذلك لقضاء يومين بين سفوح جبالها الثلجية والاستمتاع بمشاهدة طبيعتها الساحرة، ورغم أن الليل قد داهمنا والمسافة التي بيننا وبينها بعيدة، وتقدر بحوالي ٤٠٠ كم إلا أن عزيمة الشباب قوية ومتحمسين لاكتشافها، فالشارع جديد ومتسع ويحتوي على حارتين وأكتاف، وجسور وأنفاق، وتتوفر فيه إضاءة فسفورية، بالإضافة إلى إضاءة الأعمدة في بعض المواقع الأخرى، مع توفر لوائح إرشادية، كما أن القيادة فيه سهلة ومريحة، وفي مثل هذه المواقف يحلو الحديث ويطول، ولا يخلو من الفكاهة والمداعبة بين الشباب، لكن الخوف يضل موجود تحسبا لمفاجئات الطريق؛ حيث لم يسبق لأحدنا أن سلكه من قبل.

وبعد مضي ثلثي المسافة تفاجئنا بتحويلة بالشارع تغير هذا المسار الجميل الممتع إلى مسار مزعج داخل قرى جبلية مرتفعة حتى شعرنا بالخوف والإحساس بأننا ارتفعنا كثيرا عن مستوى الأرض المعتاد بما يقارب من ألف متر أو أكثر، والشارع مظلم بلا إضاءات، ثم استشعرنا خطورة الموقف وصرنا في وضع مشوبًا بالرهبة والخوف، وكل واحد منا كان لديه تساؤلًا؛ “هل فعلا ضعنا في متاهات هذا الليل؟!”، وهل هناك مفاجئة أخرى قادمة؟ وهل سنواجه أشياء لم تكن في بالنا ولم نتوقعها؟! بالإضافة لذلك؛ أن مسار جوجل في بعض الأحيان كان يعطي قراءات غير دقيقة، والمشكلة أن هذا الشارع تكون الحركة فيه قليلة جدا ومن النادر أن  تجد شخصًا تسأله أن كان مسارنا صحيح أم لا.

وبعد نصف ساعة تقريبا على هذا الحال إذا بالشارع تعدل مساره إلى الاتساع ثم لاحظنا شبكة الاتصالات تتداخل مع شبكة سويسرا وفرنسا وإيطاليا حتى وصلنا لنقطة حدودية أو أمنية؛ فسألنا عن مسار مدينة شامونيه الفرنسية، حيث تأكدنا بأن المسار صحيح وبقيت مسافة بسيطة عن الوصول للمدينة؛ عندها ارتحنا من ضغط الخوف الكبير الذي واجهنا بسبب تحويل مسار الشارع والحمد لله.

وفعلا بعد دقائق وصلنا لوسط المدينة، وكان الوقت بعد الثانية عشر من صباح يوم الخميس الموافق ١٣ أكتوبر، والمنطقة يحيط بها السكون والهدوء التام وكأن كل شيء في سبات عميق. فعند وصولنا كنّا بحاجة للبحث على مقر الإقامة نحتمي فيه حيث الجو كان باردًا جدا يصل لسبع درجات، فذهبنا لعدة فنادق ولم نجد لديهم غرف شاغرة، وأخبرونا بأن هذه الفترة هو موسم سياحي واحتمالية عدم الحصول على سكن واردة، إلا أن تعاون بعض الفنادق كان حاضرًا في التواصل مع زملائهم في الفنادق الأخرى لمساعدتنا؛ وفعلا تيسرت الأمور أخيرًا بالحصول على غرفتين بفندق “اكسلسيور شامونيكس” ذو الأربعة نجوم فتم الحجز ليومين، فالفندق يقدم خدمة ممتازة ومدينة شاموني تتميز باحتوائها على العديد من الفنادق المعروفة بهدوئها وروعتها، وتتميز كذلك بالخدمة فوق الممتازة مع وجود الطعام الفرنسي الرائع.

وفي صباح اليوم التالي توجهنا لتناول وجبة الإفطار بمطعم الفندق بالقرب من حمام السباحة على إطلالة الجبل الثلجي، والمكان محاط بالمشاهد الطبيعية الساحرة، ثم توجهنا للتنزه في وسط المدينة الجميلة والتي تتميز بمواقع طبيعية وتعتبر عالميا من أكثر المواقع زيارة حول العالم، كما لاحظنا وجود الكثير من السياح الخليجيين بهذه المدينة, وأسواقها جميلة وتتمتع بمقاهي ومطاعم راقية, ويمكن استئجار دراجات نارية للتنزه، ونتيجةً لذوبان الثلوج على قمم الجبال يتشكل نهر جميل يمر بكل أنحاء المدينة يزيدها جمالا وروعة.
تقع مدينة شامونيه شرقي فرنسا، وتعد أعلى بلدة في فرنسا، وتحيط بها العديد من الجبال وتجاورها أعلى قمة من جبال الألب، وتستقطب عشاق ومحبي تسلق الجبال والتزلج، وهي تضم العديد من أفضل الفنادق والمنتجعات والمنشآت وتمتلك أعلى تلفريك في العالم، وتبعث في نفوس زوارها الراحة والسعادة، وتعتبر القرية وجهة مثالية للاسترخاء والابتعاد عن ضغوط الحياة اليومية، حيث تعتمد السياحة فيها على التجوال وسط المساحات الخضراء والجبال التي تغطيها الثلوج، ومن أشهر الأماكن السياحية فيها قمة جبل مون بلاه التي تعد أعلى قمة في جبال الألب، ويبلغ ارتفاعها ما يقارب الخمسة آلاف متر، ومن المعالم الطبيعية الأخرى هناك المسطحات الجليدية، وتستغل لعشاق المغامرة والتزلج الذي يمتد موسمه لأشهر عديدة.

كما توجد ملاهي شامونيه والتي تُصنف ضمن أشهر الأماكن الترفيهية، وتستقطب الكثير من الزوّار من مختلف الفئات العُمرية, وتحوي على ألعاب عديدة تناسب الأطفال؛ كألعاب القفز، المراجيح وألعاب التسلق, والألعاب المائية الأخرى.
ولمحبي المتاحف يوجد متحف الألب، وهو أحد المعالم الشهيرة بفرنسا, كما يقام كل يوم سبت سوق تقليدي مثيرًا للاهتمام في وسط المدينة، ويتم إغلاق العديد من الشوارع خصيصا له، حيث يحظى بشعبية كبيرة ما بين السائحين، ويمنحهم الفرصة لاكتشاف طبيعة الحياة بالمدينة، والذهاب إلى الحديقة المجاورة لقضاء بعض الوقت الممتع.

وفي ظهيرة اليوم الثالث عزمنا مغادرة شاموني بعد قضىاء يومين مختلفين وسط أجوائها الباردة والثلجية، والاستمتاع بالطبيعة الجبلية بهذه المدينة الحالمة، ونحن نحمل انطباع جميل عنها؛ فهي قريبة من حدود إيطاليا وسويسرا، والمفاجئة أن الشارع كان مفتوحًا هذه المرة، وكانت عودتنا لإيطاليا بكل سلاسة وسط أجواء بين غائمة وماطرة، وفي المساء وقفنا في استراحة بالطريق فكانت هذه الاستراحة فرصة لنا للحركة، وللتزود بالوقود، وتزودنا من محلاتها ثم صلينا الظهر والعصر وتناولنا وجبة الغداء، ثم صلينا المغرب والعشاء وتناولنا بعض المشروبات الباردة والحارة، وواصلنا المسير إلى وسط مدينة ميلان حيث استأجرها سكن قريب من محطة القطار, كما قمنا بتسليم السيارة للشركة بعد إضافة يوم خامس للاستئجار بدلا من أربعة ايام.
وبهذا تختتم رحلتنا اليوم السابع بكل سعادة وسرور.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights