عظم الله أجرك يا بهلاء
مريم الشكيلية
قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [155 البقرة]
الموت هو القدر الذي يذكرنا بقصر الحياة، وكل ما فيها من تفاصيل ما هو إلا ذرة مقابل تلك الأرواح التي نكون معها وتكون معنا.
عندما يقضي الله أمراً على عباده وينزل البلاء هنا تتجلى عظمته وضعف الإنسان، ولأنه هو خالق هذا الإنسان لا يمكن أن يبتليه ليشقيه. نعم، عندما نكون بعيدين عن الحدث أو عن هكذا بلاء – حفظنا الله وعائلاتنا جميعاً- يكون الحديث أسهل، والنظر والتفكر في قدر الله تعالى، والإنسان المبتلى ساعتها يكون في غمرة الحزن والفقد وذهول الصدمة؛ لأننا بشر هكذا خلقنا الله تعالى، ولكن مع مرور الوقت ومع جرعات السكينة واللطف الذي ينزله الله تعالى يجد الإنسان المؤمن ورغم عميق الألم يسلّم بقضاء الله وقدره صابراً ومحتسباً، (كل شيء يبدأ صغيرا إلى أن يكبر إلا المصيبة تبدأ كبيرة حتى تصغر).
في يوم الجمعة من الشهر الفضيل وفي العشر الأواخر كانت الأنفس مشغولة بالعبادات والذكر، ويتسابق الناس لنيل المغفرة والعتق من النار، عندما وصلنا خبر وفاة أربعة أشخاص من عائلة واحدة من ولايتي (بهلاء) في حادث سير مع خبر العثور على الرجل المفقود الذي اختفى منذ الخميس مفارقا الحياة، والاشتباه في حادثة اختفائه أنها جريمة جنائية.
كل هذه الأنباء أثقلت علينا في يوم مبارك، وكأن كل بيوت بهلاء تشارك عائلاتهم هذا الحدث الجلل، عندما تشيع جنائز لا جنازة واحدة من بيت واحد كيف يكون وقع الخبر علينا جميعاً؟! ولا يمكن أن نتصور حالة أهلهم وعائلاتهم، فهناك يقف الحديث، ولا يمكننا إلا أن ندعو الله تعالى أن يلطف على قلوبهم وينزل سكينته وعونه ورحمته عليهم وأن يلهمهم الصبر والسلوان.
(عظم الله أجرك يا بهلاء)
تُدُولت هذه العبارة مساء الجمعة في ربوع بهلاء؛ مما أشعرنا جميعاً بثقل الحدث وعظيم البلاء ولسان حالنا يردد: اللهم لطفك ورحمتك، والحمد لله أننا مسلمون، وإلا كيف سوف نحتمل ما نلاقيه من ابتلاءات؟ فنحن ندرك ونعلم يقين العلم بأن الله تعالى لا ينزل قدراً إلا وينزل لطفه معه.
وفي هذا المقام ومن هذه السطور لا يسعني إلا أنني أدعو الله تعالى بأن يصب على تلك الأرواح التي غادرت الحياة وفارقت أهلها الرحمة والمغفرة فهم عباده وفي جواره، وأن ينشر السكينة وعميق الصبر في نفوس عائلاتهم التي أثقلت بهذا القدر الذي صدمهم وهم يتطلعون بأن يمن الله عليهم بالخيرات في نهاية هذا الشهر الكريم، وبأن يختم صيامهم بفرحة العيد، ولكن أمر الله سبق وأمره لا يرد، وأنه هو وحده أعلم بما قضى وكتب ولطفه العظيم نازل وإن لم نره الآن؛ لأننا بشر قاصرون لا حول لنا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم الذي لا ينزل منه إلا كل خير.