تفوّه برزقك، ولا تستعجل عليه
وداد بنت عبدالله الجابرية
يشدّ انتباهي حديث أولئك الذين يصرخون بأن أرزاقهم تأخّرت، تعجبتُ منهم،
كيف تأخرت؟ والله يأتي برزقه متى يشاء؛ من نحن لنحكم بأن رزقنا تأخر؟
لو عدنا لزمن أنبياء الله لوجدنا في قصصهم العِبر، رُزق سيدنا إبراهيم بسيدنا إسحاق وعمره 80 سنة، أي أنه شيخ كبير، لم يتفوّه بأن رزقه قد تأخر، وإنما ظل صابراً حتى جاءته البشارة، ويا سبحان الخالق بعد طول تلك المدة رُزق بنبيّ، فهذا كرم الله إذا جاء أدهش العقل.
فلماذا نعجل على رزقنا ونتفوه بأنه تأخر؟
ولكن، لو أن يقيننا بالله كان يقيناً تامّاً، لَما عجلنا ونحن نعلم بأن الله تعالى يحبّ أن يسمع نداءنا وإلحاحنا في الدعاء.
رضوا بقسمة الله وأرضاهم بالكرم والعطاء.
لنعود لحاضرنا:
بعضنا يدعو الله بأن يرزقه، فيشدّ همّته بالدعاء، ويستمر لفترة ليست بطويلة؛ ليسمح بعد ذلك بتدخّل الشيطان، ليجعله ييأس ويتوقف عن الدعاء، لو عدنا لكتاب الله لوجدنا أن الرحمن ذكر بياناً أخبرنا فيه بأننا نعجل في الحصول على رزق بقوله سبحانه: {وَكَانَ الْإِنسٰنُ عَجُولًا } [سورة الإسراء الآية 11]، فعلاً، فالكثير منّا يئس وتوقف عن الدعاء، وردّد بأنه لن يحصل عليه؟ ومع ذلك أكرمه الله به في الوقت المناسب.
ولكن السؤال هو: لماذا نسمح للشيطان بأن يدخل بيننا وبين الله؟ فالجواب هو كالتالي: ظللتُ سنوات أدعو الله ولم يستجب لي، فمن قال لك بأنه لم يستجب لك، فلو تأملت في حالك، هل أنت تعلم ما صرفه الله عنك من فضل دعائك؟ طبعاً لا تعلم، ربما أنه أبعد عنك بلاءً كاد أن يصيبك في يومٍ ما، والله أنجاك منه.
إذاً، عليك ألّا تستعجل، وأن تأخذ من سيرة الأنبياء نهجاً وقدوة لك، فرزق الله سيدنا زكريا بالولد وهو شيخٌ كبير، قال تعالى: { قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيًّا } [سورة مريم الآية4 ]. ظل يدعو إلى أن جاءته البشارة.
لو تفوّهت وقلت بأن زمن الأنبياء هو زمن المعجزات؛ سأقول لك: استمع لهذه القصة التي حدثت في زماننا وعصرنا:
ذات مرة قرأت قصة عن إحدى النساء، تقول المرأة: “بعد أن تفرّغت من أداء صلاة الظهر مكثتُ جالسة على سجادتي أدعو الله بأن يرزقني بخبر يسعدني، وصلّيت العصر، ولم أغادر المكان حتى تلقّيتُ الخبر، ابني وقع له حادث قويّ، والله تعالى أنجاه منه وهو بصحة جيدة”.
فما بال تلك الفئة؟ لا أعلم هل هي حاقدة أم حاسدة؟ أو بالأصحّ ناكرة لخير الله، فيا من تقول: ندعو الله في أمرٍ ونراه يرحل لغيرنا، ونيأس ونغار ونتمنى، ولكن لا يحدث تغيّر بحياتنا؛ دعه يرحل لغيرك فإن الله علم بأنه بلاءٌ عليك وصرفه؛ فأنت لا تعلم ولا توقن ماذا صرف عنك، لأنك تنظر إليه من الجانب الخارجي، والله يراه من جميع الجوانب.
اصبر وإياك أن تتخلى عن دعائك، فبعد الصبر تأتي الكرامة لتدهشك؛ فقف قليلاً، وتأمّل قصة سيدنا زكريا عليه السلام، فالطلب كان طفلاً، ومن كرم الله أنه أعطاه نبياً، وتعلّم منه الثبات في الدعاء والاستمرار، وهذا هو أهم درسٍ يجب أن تتعلمه، الصبر والثبات في الدعاء.
وكُن على يقينٍ بأن رزقك سيأتيك في وقته المناسب، وتأكد في الوقت الذي يدخل عليك الشيطان ليوسوس ويجعلك تيأس، تذكّر بأنك لن ترحل من هذه الدنيا إلا وقد أخذت نصيبك من الرزق.
ذات مرة سقط رجلٌ في البئر وساعده الناس على الخروج، فأكرموه بشربة من لبن؛ فسألوه: كيف سقطتَ في البئر؟ أجابهم وهو يكرر جملة السقوط، في هذه اللحظة أمر الله تعالى بقبض روحه ففارق الحياة وأخذ رزقه ورحل.
لهذا اطمئن؛ فحياتك كلها بيد الله وقبل رحيلك سترزق.
من أجمل الكنوز التي أحتفظ بها للآخرين: تمسّك بدعائك ولا تيأس، واصبر فإنك ستنال ما تتمناه، وابتسم للحياة من جديد، وجدّد ابتسامتك في كل يوم؛ لأن ابتسامة اليوم تختلف عن الأمس، وكذلك رزقك في كل يوم يختلف عن الآخر.
وأخيراً: أنصحك بالإكثار من الصلاة الإبراهيمية والحوقلة، ولا تنس الاستغفار؛ فكلها أذكار جالبة للخير، وانتظر كرم الله، سيأتيك، وإياك والعجلة، فإنها تجلب الحسرات، واصبر واقتدِ بالأنبياء، فقد ذكرهم رب العالمين عبرةً لنسير على نهجهم والاقتداء بهم.