على هذه الأرض
هالة الحضرمية
في صيف يونيو وقت العصر، الوقت الذي أرى أنه وقتي الخاصّ، كعادتي في كل عصر، أُجهّز كأس الشاي وأسكب فوقه قهوة عربية، نعم، أخالف العادات و إلزاميّة شرب القهوة في فنجان، ولا أرى من بعض العادات إلا فُتات أفكار عتيقة تقليدية لا طائل منها، وبعد أن أجهّز قهوتي، أخرج إلى ساحة المنزل وبيدي كتابٌ وهاتفي النقّال وسمّاعتي الصغيرة، فتحتُ تطبيق ساوند كلاود الذي اعتدتُ منه سماع الموسيقى والقصائد وكُل ما يحلو لذوقي السمعيّ، هذه المرّة اخترتُ أن أسمع قصيدةً من قصائد شاعري المُفضّل محمود درويش، واستوقفتني قصيدته: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، وبدأتْ تخالجني أفكاري ويعلو صوتها على صوت القصيدة، حتى أصبحتُ صمّاء لا أسمع سوى صوت أفكاري، الذي لا يسمعه غيري، ما الذي يستحق في حياتي الحياة؟ سؤال راودني بعد فترة بؤسٍ مرّت عليّ، وبدأتُ أنبش في ذاكرتي عن شيءٍ يستحقّ الحياة، قهوتي، محبرتي، مكتبي وكتبي أشياء بسيطة، وأرى أني أحبها، وإنها تستحق الحياة، أما عن سوالف أمي، ممازحات أبي، مشاغبة إخوتي وعصبية أختي، لا تستحق الحياة لأنها هي كُلها بحدّ ذاتها حياة، رفعتُ رأسي فرأيت الشفق الأحمر بدأ يصبغ السماء، وطيور الحمام ترفرف عائدة إلى وكورها، وصوت أطفال الجيران راكضين عائدين إلى منازلهم، وهدوء يعمّ المكان في دقيقة، ويرتفع صوت أفكاري تارةً أخرى ويسألني: أليس ما عشتهِ منذ ثوانٍ يستحق الحياة؟ ارتشفتُ شيئاً من كوب القهوة وأيقظني حدسي أنها قد بردت.