قراءة شخصية في الاستثمار الذاتي
خلفان بن ناصر الرواحي
عادة ما يهتم كلّ منا بما يقوم به من عمل، وقليل منا من يهتم بتطوير إمكانياته وتحسين ما يميل إليه قلبه وتطمئن إليه نفسه، ويعدّ الاستثمار من طرفه لتنمية قدراته وقتًا أو مالًا ضائعًا ولا جدوى منه، ويغرق في هذا الوهم الخفي، ولعل السبب حول هذا ناجم من مشغلات الحياة العصرية أو من ضغط العمل، أو عدم الاهتمام بقيمة الوقت وعدم القدرة على التنظيم، وربما لعدم الرغبة في خوض التجربة وإرهاق نفسه، وقد تتعدد وتختلف الأسباب أيضًا من شخص وآخر.
لقد اعتاد معظمنا على الاستسلام بسهولة وترك الأمور على علَّاتها، ورضينا بأن نوجّه الاستثمار وجهات أخرى غير التي نرغب فيها ونبدع فيها، والتي يمكن أن نبدأ فيها وتفتح لنا أبوابًا متعددة، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى قوة إرادة ومعرفة وصبر، لتتبع الممكن تحقيقه والمفيد سواء لنا أو لغيرنا.
علاوة على ذلك فإن شخصية الفرد وثقته في نفسه، وإدارته لوقته، كلها عوامل مؤثرة ومفيدة لبناء شخصيته حاضرًا ومستقبلا، ولا شك أن بعضنا يحاول الاستفادة من الإمكانات المتوفرة التي يمتلكها كأدوات مساندة لتحقيق ذلك الاستثمار الأمثل في بناء نفسه، سواء كانت معنوية أو مادية، ومنها خبرات الآخرين أو الكتب أو الدورات والمحاضرات التي تبني الذات أو الشخصية، وربما تُحسِّن من قدراته وإمكانياته.
إنَّ بناء الشخصية والاستثمار فيها والدفع بهذا الاتجاه يستلزم نظرة عميقة واهتمامًا أكبر، ويحتاج تخطيطًا دقيقًا لمستقبل الفرد وللفرص المتاحة التي يمكن أن يبدع فيها ويتقنها؛ بحيث يُوجّه الاستثمار والبناء إلى الطريق الصحيح، ولا يتعلق بالقشور، أو العيش في الوهم والاستسلام للواقع دون بذل مزيد من الجهد والعطاء لتحقيق ذلك الاستثمار الذاتي الذي يحقق المصلحة الخاصة والعامة؛ فالموضوع يجب أن يؤخذ على محمل الجدية، وأن يكون هناك توجُّه واضح وتخطيط دقيق لما يجب الاستثمار فيه، وما النتائج المتوقعة؟ وما الأدوات المهمة التي يجب الاهتمام بها والحصول عليها؛ حتى نُحقِّق ما نصبو إليه من الأهداف؟
فمن المهم أن نُركِّز فيما نريد تحقيقه؛ بحيث تكون الصورة واضحة أمامنا، والاستشارة من الخبرات ذات الكفاءة أو تبادلها مع شخصٍ عزيز، أو قريب، أو صديق وفي؛ حتى نكتسب وجهة نظر محايدة تدعم توجّهاتنا، وربما نستدل منهم على نقطة أو أكثر قد تكون غائبة عنَّا، ونستفيد من تجاربهم الشخصية التي مرت عليهم في حياتهم اليومية والعملية والاجتماعية والاقتصادية؛ وذلك وفق رؤية واضحة المعالم لتحقيق ما نريد أن نستثمر فيه لتحقيق أهدافنا.
إنّ موضوع الاسثمار الذاتي مفهومه واسع ومتشعب، ويعتمد ذلك وفق مرئيات كل شخص وتوجهاته، وعلى ميوله وقدراته الفكرية أو المادية، وكلها تعتمد على قدرة الشخص على تحمل المسؤولية والمجاهدة والمصابرة على قبول التحديات، فبعضهم يدخل في الموضوع دون دراسة متعمقة، ودون تحديد الأهداف بدقة، ولا يعي بالخطوات التي يجب القيام بها، والقضية مهمة ودقيقة، وتستلزم متابعة ووقتًا ومالًا، ونستثمر فيها جميعًا وليس جزءًا منها؛ فالنجاح والبناء يستلزمان إدارة ورقابة لصيقة، ومراجعة بين حينٍ وآخر حتى يتحقق الهدف، أما أن نترك التفاصيل دون تدقيق وتحديد؛ فقد يؤدي إلى ما لا يُحمد عُقبَاه؛ لذا تجد بعضهم يشتكي ويتذمَّر أنه يرغب في النجاح، ولكن لم يتحقق لهم ذلك، وتجد أنهم يغفلون بعض الجوانب المهمة في البناء والتخطيط؛ ولهذا ونحن في عصر المعلومة وتوفّرها من خلال البحث، يستلزم منَّا أن نرى ماذا نريد؟ وماذا فعل الآخرون؛ لكي نستفيد منهم؟، فهذا أسهل ما يمكن أن نقوم به؛ لكي نسير في الاتجاه الصحيح، بدلًا من أن تكون أمورنا يحفّها الغموض والمخاطر، ونترك بابًا واسعًا للاجتهاد؛ وذلك في ظل محدودية الموارد المالية والزمنية، وعلينا التحلي بالصبر والمثابرة والثقة بالنفس في جميع الأحوال؛ لكي يصل استثمارنا الشخصي إلى ما نريد دون تكلف أو تذمر.