ما بين القهوة والغروب تمرُ سفينة الصحراء
ثريا بنت سيف السنانية
ينتهي اليوم بغروب الشمس, فكل يوم بيومها, وكل يوم برزقها, وكل يوم بأحوالها, تمر الأحداث وتمر اللحظات ويمر الأشخاص, منهم من يبقى ومنهم من يمر مرور الكرام, منهم من يأتي زائرا لفترة ثم يرحل وتلك اللحظات قد تستمر يوما أو بضعة أيام أو سنوات, وتلك المواقف التي قد تزرع الحزن والأسى والسعادة أو درسا من دروس الحياة أو عبرة لمن اتعظ.
وها هي سفينة الصحراء تمر وفي نفسها الكثير من الهموم والشوق, لا تشكو بل تعبر عن شوقها وحزنها وسعادتها بصمت, فبعض المواقف لا اعتبار لها وبعض المواقف تغير من حياتك, وهل من أمل؟ وهل من ثغرة؟ وهل من فرح؟ وهل من سعادة؟ وتمر الأيام بمواستنا بكوب من القهوة الممزوجة بالحليب؛ منهم من يشربها لمذاقها الطيب ومنهم من يطلبها لأن شغله الشاغل هو المظاهر والتصوير وهو بالأساس لا يحس بجمالها ولا يحب طعمها, ومنهم من قلد التقليد الأعمى فهي طلة العصر, فيظن أنه يتطور ويواكب تطورات العصر ومنهم من يشربها لأنه يحبها ولها مذاق خاص بالنسبة له, وكل شغفه في القهوة فهو يركز على كل التفاصيل, والأعجب من ذلك, اختلاف أذواق الناس في القهوة, ما بين القهوة الثقيلة والقهوة الخفيفة؛ منهم من يفضل السادة ومنهم من يرتاح للممزوجة بالحليب والسكر, وهناك من يفضل شرب القهوة في فنجان، ومنهم يفضل شربها في كوب زجاجي سادة، والآخر مزخرف، ومنهم يفضل شربها في كوب ورقي, ومنهم يحب شرب القهوة مع الحلوى أو الكعك, وهناك من يفضل شرب القهوة وهو راكب في سيارته, والآخر جالس في مقهى القهوة, وهنا كذلك تختلف أذواق الناس, فأحدهم يختار المكان المزين بالورد الصناعي والآخر المقهى ذا التصميم الهندسي, والآخر ذا التصميم الأوروبي، والآخر ذا التصميم العربي والآخر ذا التصميم العادي؛ لذا تندمج القهوة مع مشاعر الإنسان.
ويا لروعة شرب القهوة في ساعة الغروب! جمال على جمال؛ حينها تيقن أن اللحظات تمر بكل ما فيها وتأتي غيرها، وتوقن أن البشر يختلفون في مزاجهم وأذواقهم فالذي تفضله أنت يكون بغيضا مع الآخر .
تمر الأيام, وتتقلب الأحوال, بالأمس كنت مهموما, واليوم قد فتح الله عليك, فإذا أحببت فلا تعص, وإذا كرهت فلا تكفر, وبين ذاك وذاك مشتبهات قليلٌ من الناس يتصابى عنها.
وتمر الأيام وأنت في حسرة من وضعك, هل من مستمع؟ ومتى سيأتي الفرج؟
على خيل بيضاء تمر وإذا الأرض ترج من تحتها, الغبار يتناثر، وها هي السماء تلبدت بكثافة السحب لتغطي جمال الغروب, ولكنها لن تدوم, فستنزل بقطرت الغيث, وسيظهر جمال الغروب أجمل مما كان عليه, هم يريدون أن يضروك ويضايقوك, وكله تدابير الله سبحانه وتعالى, فالضر الذي سيأتي لك سيكون من خلاله ثغرات الأمل, وباب الفرج.
وتمر الأيام, بعض العلاقات تسعدنا وبعضها تضيعنا, فنصبح تائهين في هذا الفضاء الشاسع, وبعض العلاقات تضايقنا, فيضيق علينا كل شيء ونتمنى لو تنشق الأرض وتبلعنا؛ لذا تجد قلوبنا تستعين وتستغيث بالله.
تلك المشاعر على خُطى الغروب, وسفينة الصحراء تمر لتخبرك بأن لا تبالي فجميعنا عبارة عن جسد وروح وكتلة من المشاعر, جميعنا لنا عادات ومواقف من الحياة ودروس, جميعنا نخطئ ونصيب, يحزننا البسيط ويفرحنا البسيط, ولو قطعة حلوى صغيرة.
وعلى خطى الغروب وكوب من القهوة ذات الرائحة الذكية يتبين لك أن بعض المشاعر كاذبة, وبعضها مزيفة, دليلك في قلبك, يحس بجميع مشاعر من حوله إلا إذا أراد أن يكذب على أحاسيسه فذاك شيء آخر يجعله يعيش في أوهامه وأحلامه الزائفة.
ما بين القهوة والغروب, تمر سفينة الصحراء وفي قلبها الكثير من الأحلام والآمال بمستقبل مشرق, أحلام ممزوجة باللون الوردي والذهبي.