شعور من نور
مياء الصوافية
“الضوء الباهر يصرع نوازع الشر” نجيب الكيلاني
لا أعلم هذا الشعور الذي يقودني إلى لا شيء، ما زال متشبثا بثوب النور حتى حين يُرمى بالظلام إنه يقف على حافة المجابهة لكن تفكيره ما زال قابعا، ومنزويا تحت ظل النور، يزرع الحِلم بماء الضمير؛ فيتقهقر متراجعا متكئا على جدار الحِلْم، ويمد أنفاسه على طول مدّ النور الخارج من منبع حِلمه، زارعا فيه ألوان الزهر، وممعنا النظر في فسيح مرامي صدره.
هذا الشعور… يأخذ فأسه ليقطع أشجار الوصل بعدما ذابت جذورها تحت وطأة عتمة الظلام – تلك التي أتتها فجأة – لكنه بعد برهة يسكب عليها الطراوة التي ما زالت تعيش في حسه، فسقى هذا الوصل معيدا إليه الحياة، واشترى نورا، وباع ضلالة، تلك الضلالة التي لم يتعودها حتى حين انكساره، ورمى فأسه بعيدا حيث لا عودة، لا هواء، رماه حيث ريح عاتية تأخذه في دوامتها تلك التي تقتات ما لا يراه من غبار الوجه الآخر، ويبدأ يعود هذا الشعور إلى نوره باحثا عن ظل، حتما سيجده حوله، و عن الصفاء القادم إليه من عالم النقاء، وينأى بنفسه عن النفوس المكتظة بسواد النظرة المنزوية بظلامها غير المفهوم.
ثمة عصافير بتغريدها تنزع الشوك الذي انغرس في جلباب طهره فيعود أدراجه
يسكن بيوت القناديل على امتداد طول أنفاسه.
هذا الشعور يصوب عينيه إلى ثقب النور القابع في أوراد ذكره، وضياء قرآنه، فيتشبث به بثبات المرابط مجابها الظلام حوله، حتى وإن كانت البنادق مشرّعة نحوه.
يظنون بأن السواد قد خالط شيئا منه، وهم قليلون أمام من ظن بأن نوره يشرق مع الصباح ينغرس في أشعتها؛ ليعطي للدنى شيئا يشبه الماء وهو منساب بعذوبة، ويشفّ عما بداخله من ثبات… نور الشعور هذا كترانيم الرعاة وهم يسكبون الرحمة على القطعان الكثيرة.
كل التفاصيل المنخذلة الرأس المتصدعة – التي كاد أن يأخذها الظلام – يرممها النور الأخضر الذي يأتي إليها مع ضوء الفجر، وهو يلج إلى أعتاب محراب التقوى، ويرتشف كأس النقاء الروحي مع هذا الشعور.
تتمكن الصدمة منه، وهي آتية إليه من الوجه الآخر الذي لم يكن يعرفه؛ فهو يعيش في دفء النور، وعلى يقين بأن كل ما يخرج هو من النور، أو من بقايا القناديل، وبإيمانه يعي بأن النور حتما سيطفئ الظلام.
(أبقِ عينيك على النور؛ لتعبر كل هذا الظلام)
(جلال الدين الرومي )