خولة بنت محمد السعدية
غمام الرحمات تبسم في سمائنا..
ها هي نسائمُ شهر الرحمة وشيكة..
أتت -أخيرًا- لتحتضننا أيامه.
سحائب الغفران تطلُ علينا من جديد،
تنثرُ حبَّات دمعها كوجه الخاشعين،
طالما أذهلني وقوفهم،
استقامةٌ لا انحناء فيها قط،
عينٌ تفيضُ طهرا،
وقلبٌ يحلِّق بين سماواتِ المناجاة.
جسٌد على السجادِ،
وروحٌ ترفُّ بين رَوْ حٍ وريحان.
هكذا أُبْصِرها،
وإلا لن تتخشَّب نحالة أجسادهم بهذا المنظر.
أرى هناكَ جلالا أذْهَلَ انتباهتهم، وأمسكَ التفاتتهم لزهوِ دنيا!
هلكنا بعدك يا رمضان!
قد أكل الظلم من قلوبنا، حتى تقيأهُ سوادَ بُهْتان
يهطلُ من أفواه الشرهين للحومنا!
يقطرُ من أسنانهم بقايا الدم من جثث المؤمنين!
ثم تراهم يستقبلونك بحفاوة، ويبسطون أذرع النفاق، ويسيرون الخيلاء،
وهم يلتحفون ثوب البراءة عن ما قد أصابك منهم،
بسبب ذاك العضو الصغير المكتنز بفيِّهم البائس.
سحقا لعالم أنتم ونحن نتنفس فيه الهواء نفسه! سحقًا لأقبح الدركات التي يمكن لإنسانٍ أن يصلها.. وأنتم وصلتم إليها وأراكم تتمرغون في وحلها. أي إنسانية !! وأين الضمير؟!
تبرأت منكم الإنسانية وصكَّتْ بوجهها عن مظالمكم وسواءتكم.
هلكنا بعدك يا رمضان
ذقنا كل شيء حالكٍ وعلقم.
ورأينا من البشر كل قبيح
ولم يرأف بنا سوى حيوان أليف يتمرغ تحت القدم!
شعرنا كيف لقلبك أن يتقطع وينزف من المقربين قبل الغرباء.
يا رمضان.. هلكنا بعدك
رأينا الغدر
الخذلان
سوء الظن
وتجلت أمامي أمراض قلوبهم كوحش كاسر لا يكفُّ عن التهام أحلامي ولوحاتي.
هلكنا بعدك يا رمضان
صاروا بيني وبين طموحي وألواني كحاجزٍ تَلُفهُ الأسلاك الصاعقة.
أيُّ صاعقةٍ أشد من الغدرِ!
تعبتُ بعدك يا شهر الله الحبيب.
تعبتُ من كل الوجوه
واشتقت لوجهك.
نأيتُ عن كل قربٍ،
وسعيتُ للحظاتك.
هربت هرولةً بذيولِ الخيبة وجئت زحفًا أمام بابك، أنتظر احتضانك فقط.
اسْتُهلِكتُ كثيرا بعدك وقبلك يا رمضان.
