مقال : من ذاكرة الزمان
سعيد بن أحمد القلهاتي
عندما كنت أناهز الإحدى عشر عاماً من عمري حدث في ذلك الوقت أن تعرضت
طيوي وماجاورها من قرى لهطول أمطارٍ شديدة الغزارة ، وذلك ضمن أنواءٍ مناخية شتوية ، ففي صبيحة يوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة عام ١٣٩١للهجرة الموافق : التاسع والعشرين من شهر يناير عام ١٩٧٢م بدأت بوادر هذه الأنواء على طيوي وماجاورها تبدأ بانتشار السحب الكثيفة وتساقط رذات المطر شيءً فشيءً وما إن حل وقت المساء حتى بدأت الأمطار تهطل بغزارة ومر الليل على الأهالي وهم في حالة عصيبة لا يعلمها إلا الله وموقف لايُحسدون عليه وبدأ سكان بعض المنازل المبنية بالمواد الغير الثابتة وهي كُثر في ذلك الزمان يلجأون للنزوح إلى المساكن المبنية بالطين والحجارة والمطلية بالصاروج والإسمنت لتكون ملاذا لهم ويطلبون من أصحابها الإذن باستضافتهم حتى طلوع النهار فما ترَ من أصحاب هذه المنازل إلا الترحيب والاستقبال برحابة صدر ونفس سخية راضية مرحبة بهم ويوسعون لهم في الإقامة معهم إلى ماشاء الله ، وهكذا تكتض هذه المساكن التي يرونها أكثر أماناً بالناس فتجد الرجال يصل عددهم فوق العشرة أشخاص يقبعون في غرفة واحدة والنساء كذلك في غرفة أخرى وهكذا تمر الأوقات بأهالي طيوي وما جاورها من قرى ضمن المسحاب المسمى بمسحاب بني جابر والأمطار أكثر إزديادا من سابقتها وبمرور أقل من ٢٤ ساعه على بدأ الحالة المدارية حتى بدأ عدد لا بأس به من البيوت التي كان يُرتجى منها أنها أكثر أمناً في تساقط بعض أركانها وزواياها وأسقفها ومن لطف الله عز وجل بعباده أنَّ إنهيار هذه البيوت كان في وضح النهار إذ أنَّ السكان لم يكونوا بداخل حجرات الببوت ولذلك فلله الحمد لم نسمع عن أحد أنه تعرض لسوء جراء إنهيار البيوت ، ومع معاناة الأهالي من هذا الوضع أخذ البعض في إقامة خيام بواسطة “الطرابيل” لكي تكون أكثر أماناً لهم عن البيوت المعرضة للسقوط بينما نزح عدداً كبيراً من السكان إلى الجبل والتجأوا في الكهوف الكبيرة التي كانت بأعلى المكان المسمى “شراحط” واستمر بقاؤهم بهذه الكهوف فترة ناهزت الأسبوع وهم قائمون بالكهوف صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً شيباً وشباناً ،، وهكذا استمر الوضع بالسكان وهم خارج منازلهم ينتظرون تلاشي هذه الأنواء بشكل نهائي حتى تلاشت ولله الحمد وبدأ النازحون للكهوف النزول إلى الحارات بمفردهم دون أسرهم ولكنهم لم يتمكن البعض من الولوج لبيوتهم نظرا لتهدم بعضها ومخاوف البعض الآخر من الدخول خوفاً من الانهيارات المتلاحقة كونها بطبيعة الحال مبنية بالطين والحجارة واحتمالية تساقطها واردا ما لم يجف الطين جفافا تاماً كون بعض أجزاء السماء ملبدة بالغيوم والشمس لم تعطي الارض الدفء ولكن مع تقدم الوقت أخذت المخاوف تتلاشى وأخذ السكان في الدخول للبيوت القائمة على أصولها ، وأخذ كل أحد منهم يبحث عن مقتنيات بيته وعن ما تركه بها عند خروجه منها من أدوات منزليه وفرش وأواني ،، فوجد منها الشيء الذي لم تغطيه أنقاذ هذه البيوت وما سقطت عليه الجدران والأسقف فقد تم فقده ولله الأمر من قبل ومن بعد ، بعد ذلك بدأ أصحاب هذه البيوت في البحث عن فنيِّ “بناء” الذي يقوم بعمليات إجراء صيانة وترميم هذه البيوتات ولم يكن ذلك إلا من قبل عدد يسير جدا من العمانيين إذ لم تجد في ذلك الزمان وافدا في البلدة إطلاقاً ، وباشر هؤلاء البنائين عملهم بجد وإخلاص وتفانٍ فأخذوا يصينون ويرممون ويبنون بيتاً تلو الآخر وماهي إلا فترة وجيزة حتى عاد الكل إلى بيته واستقر به الحال ولله الحمد .
*ملحوظة : إنَّ الكهوف التي كانت ملاجيء للفارين من بيوتهم في تلك الحالة .. حاليا تم تفجيرها كي يمر عليها مشروع (طريق قريات/صور) .
القاريء الكريم :
كان ذلك وصفا لما تعرضت له البلاد من أنواء مناخية في تلك الحقبة من الزمن وما عايشته وعايشه الآخرون من أقراني ومن هم أكبر مني سناً من أوضاع نتيجة تلك الحالة ،، فإن أحسنت الوصف فمن الله وإن أسأت فمن نفسي والشيطان .