تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

الثقافة تثري الاقتصاد الوطني

سالم البادي

إن للثقافة دورا بارزا وكبيرا في دعم الاقتصاد الوطني لو أحسن استغلالها الاستغلال الأمثل والتدبير المنظم، وبأفكار جديدة ومتطورة وآراء سديدة ومُحكمة، وبأساليب علمية مدروسة وخطط تنفذ بجدارة، وبكفاءات وخبرات وطنية ماهرة، عندها يستطيع (قطاع الثقافة) في سلطنة عُمان أن يقدم نفسه ضيفاً جديداً في عالم الاستثمارات الجادة، التي سوف ترفد ميزانية الدولة بأموالٍ جيدة، بشرط قيام القطاع الثقافي بكل مسؤولياته وواجباته الوطنية نحو الارتقاء بثقافة المجتمع وتعزيزها بالأنشطة والفعاليات الثقافية، فضلاً عن تبنّي المبدعين والمبدعات من الكفاءات والخبرات الشبابية في الكثير من الفنون والثقافات المختلفة، والتي يمتاز بها مجتمعنا العماني العريق، فمع وجود تسخير الإمكانيات والموارد المتاحة والمتوفرة في تهيئة البيئة المناسبة الصحيحة لكل القطاعات والجهات المعنية بالثقافة من المبادئ والأساليب التي تحقق لها أهدافها المنشودة.

وكلنا ندرك تماماً بما لا يدع مجالاً للشكّ بأنّ سلطنتنا العزيزة “عمان” لديها كنزٌ كبيرٌ وغير مُستغلّ، وهو إرثٌ ثقافيّ موغلٌ في القِدم.
وهذا التراث لا يقتصر على ولاية أو منطقة أو محافظة دون سواها، وإنما يشمل السلطنة من أقصاها الى أقصاها.

لذا فمن الأهمية بمكان أن يكون للثقافة دور بارز ونصيب كبير في اهتمامات حكومتنا الرشيدة، وخاصة في رؤية 2040 لكي يكون القطاع الثقافي قادراً على أن يساهم بنسبة مئوية جيدة من الدخل الوطني للبلاد.

هنا نودّ أن نؤكّد على ضرورة استثمار الموروث الثقافي للسلطنة بالشكل الأمثل، وبرؤية اقتصادية استراتيجية مستقبلية بحتة، تستطيع الدولة من خلالها توظيف إمكانيانها الثقافية والفنية بما يضمن لها مورداً اقتصادياً وافراً من جانب، ويعزز الأنشطة والفعاليات الثقافية من جانب آخر.

لذا وجب علينا تسليط الضوء على أهمية رفع كفاءة الأداء في القطاعات الثقافية والفكرية والعلمية والبحثية وغيرها لإبراز وتأسيس عصرٍ جديدٍ لثقافة مثمرة، تعطي بقدر ما تأخذ.

فيجب الحرص على تغيير المفاهيم القديمة المترسخة في “الثقافة”، وتحويلها من قطاع استهلاكي ترصد له ميزانيات كبيرة من خزينة الدولة لتسيير أعماله وأنشطته المعتادة، إلى قطاع استثماري تنموي مستدام، لديه الإمكانيات والموارد التي يعتمد عليها لإقامة مشاريع نوعية، تقدم خدمات واستثمارات جديدة ومتطورة، قادرة على استقطاب رؤوس الأموال من الداخل والخارج، للاستثمار في القطاع الثقافي .

فلا بدّ من المعنيين بقطاع الثقافة العمل على تعزيز العمل وفق نُظُم محددة، مثل تكريس الثقافة كنمط حياة مجتمع، وتعزيز الثقافة من أجل نموٍّ اقتصاديٍّ مُستدام، والثقافة من أجل تعزيز مكانة السلطنة الدولية ثقافياً، بحيث يتوفر لكل النُظم أدواتها وأنظمتها التي تهدف لتحقيق التطلعات والطموحات الثقافية والاقتصادية للبلاد.

بلا شك فإن ثقافة أي دولة في العالم باتت جزءا أساسياً من المتغيرات والتحديات المعاصرة والمستقبلية، وأضحت جزءا من التحولات الرقمية الوطنية الجديدة، والتي تواكب تطورات هذه المرحلة.

ولا بد أن تصبح الثقافة من مقومات جودة الحياة، وأهمية زيادة دورها ونشاطها وفعاليتها من منظور اقتصادي وطني بحت، حتى يضمن استمراريته ونتاجه واستدامته للأجيال اللاحقة.

من جانب آخر يجب أن تمهد الطرق لمجالات قادرة على جذب الاستثمارات بفرص متساوية، والتشجيع والتحفيز لها في مجالات مختلفة مثل الإنتاج في مجال الأفلام الثقافية والوثائقية والأدبية والمتاحف، ومروراً بالمسرح والفنون الشعبية، والفعاليات الثقافية المختلفة، وممارسة العادات والتقاليد الاجتماعية والأعراف الحميدة.

نحرص جميعاً كأفراد ومجتمع وحكومة على إحياء تراثنا الثقافي العماني بشتى الطرق والسُبل التي تمكّنه من أن يصبح مورداً اقتصادياً وطنياً مساهماً في خدمة الوطن والمواطن.

باتت السياحة الثقافية تحظى باهتمامٍ كبير في زمننا الراهن، في جميع بلاد العالم، وأصبح هذا القطاع هو المورد الاقتصادي الأول في بعض الدول التي نجحت في استثماره الاستثمار الصحيح، فتنامى البُعد الاقتصادي للصناعات الثقافية، وأضحت مكانة السياحة الثقافية قوة دافعة في تعزيز الديناميكيات الاقتصادية والاجتماعية.

فالاستمرار في استثمار قوة الثقافة هو بمثابة استثمار العقول ومدّ جسور الحوار بين الثقافات المختلفة، وتنمية الاقتصاد الوطني، وصولاً نحو تحقيق رؤية جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم الحكيمة.

وفي الختام نورد بعض التوصيات والمقترحات للارتقاء بالقطاع الثقافيّ بسلطنتنا العزيزة “عمان” لمستويات أعلى:

أولاً: عدم المساس بالهوية الوطنية، لأن الاستثمار الحقيقي هو الحفاظ على الهوية الوطنية.

ثانياً: إيجاد بيئة تشريعية وبيئة ملتزمة بحفظ حقوق كل مبدع أو مستثمر.

ثالثاً: الحفاظ على البيئة الاجتماعية المتماسكة المترابطة، ومراعاة بثّ المفاهيم التربوية الصحيحة وبعيدة عن الحقد والكراهية والتنافر.

رابعاً: الاستفادة من العامل التقني والرقمي الحديث، لأن نجاح اقتصاد الثقافة مرتبط بالإبداع في استثمار التقنيات الحديثة والأساليب المتطورة.

خامساً: الحفاظ على المعيار القيَميّ والأخلاقي في ضوء ثقافة الانفتاح الرشيد الجديدة، وبناء ثقافة ادّخارٍ واعية لدى المجتمع تضع البُعد الثقافي ضمن اهتماماتها.

سادساً: وضع استراتيجية وطنية واضحة المعالم لاقتصادٍ ثقافيٍّ تضمّ جميع الجهات الحكومية المعنية بالقطاع، بحيث تنقل المحتوى الثقافي الوطني للعالمية، وتُحقِّق رؤية 2040.

سابعاً: المواءمة والتنسيق بين وزارة الرياضة والثقافة والشباب ووزارة التراث والسياحة حول وضع آلياتها المناسبة وأدواتها القانونية والتشريعية والتنفيذية حول رفع كفاءة القطاع الثقافي بما يمكّنه من الوصول لتحقيق الأهداف والطموحات المرجوة منه لرفد الاقتصاد الوطني.

ثامناً: العمل على إيجاد فُرص عمل جديدة من خلال إحياء الحِرف التقليدية والصناعات المهنية الوطنية، فضلاً عن تأهيل بنيةٍ تحتية ثقافية جاذبة للمبدعين وروّاد الأعمال والمستثمرين في القطاع الثقافي، وتهيئة بيئة إبداعية مبتكرة تراعي التنوّع الثقافي الذي يتميز به النسيج الاجتماعي للسلطنة.

تاسعاً: يجب على المعنيّين تكثيف العمل على بناء الشراكات وتوثيق العلاقات مع مختلف الجهات والهيئات المعنيّة بالقطاع، لإتاحة مصادر التمويل، والربط بين المستثمرين والعاملين المطورين في القطاع الثقافي.

عاشراً: تبادل الخبرات والتجارب العلمية والمهنية والمعرفية الدولية والإقليمية والعالمية للاستفادة منها والعمل بها حسب ما تقتضيه مصلحة القطاع الثقافي للبلاد.

حادي عشر: تشجيع حبّ الابتكار والإبداع لدى الشباب العماني، وتطوير المناهج التربوية والتعليمية لتنشئة أجيال تعي أهمية ثقافة وطنها وتحرص على الحفاظ عليها.

ثاني عشر: وضع الخطط والرؤى المستقبلية لتطوير بعض السياسيات العامة، وإجراء الإصلاحات القانونية الضرورية لتعزيز الفرص الاستثمارية، وتمكين البنى الأساسية للبيئة الثقافية.

ثالث عشر: العمل على تشجيع ودعم الأدباء والكُتّاب والمثقفين والباحثين لرفد المكتبة العمانية بإصدار اتفاقية ثقافية وأدبية وتاريخية وفكرية جديدة ومتطورة، وتتواءم مع المتغيرات والتحديات المعاصرة والمستقبلية.

رابع عشر: العمل على دعم قطاع المكتبات الخاصة والعامة وتسخير وتعزيز مكانتها المجتمعية لنشر ثقافة روّاد المكتبات والإقبال عليها لتصبح رافداً ثقافياً اقتصادياً وطنياً مستداماً.

خامس عشر: العمل على دعم الفعاليات الثقافية والأدبية والعلمية في جميع المحافظات مثل الفنون الشعبية والشعر الشعبي بكافة أنواعه وأشكاله، وإقامة المنتديات الأدبية والثقافية والترفيهية وغيرها.

دولٌ كثيرة حققت فوائد اقتصادية كبيرة من خلال الاستثمار الجيد لخريطتها الثقافية، سواء عن طريق التداعيات الإيجابية للسلوكيات المجتمعية على ممارسات شعوبها الاقتصادية، أو عن طريق استثمار تراثها وتاريخها الثقافي، لا سيّما الحِرف اليدوية والصناعات التقليدية وقطاع السينما والمنتجات الإبداعية الأخرى في تحقيق عوائد ووفورات مالية مباشرة.

إن الأوضاع الاقتصادية المتأرجحة التي شهدها ويشهدها العالم بصفة مستمرة، تتطلب من الجميع سواء أكانوا حكومة أو مجتمعاً أو أفراداً إعادة النظر في استثمار كل الموارد المتاحة لتوظيفها بشكل أمثل لتحقيق عوائد اقتصادية منها، وعلى رأسها الثقافة، مع مراعاة أن العلاقة بين الفرد والثقافة علاقة عضوية ديناميكية، تحتاج لأنْ تفرد لها المساحات لأجل تطويرها بما يحقق التنمية المستدامة المنشودة لكل الأمم والشعوب.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights