ويبقى الحنين للقلم
ماجد بن محمد بن ناصر الوهيبي
وابل الكلمات يقضُّ المضاجع ويقاوم السبات، ونوازع الشوق للماضي تستحوذ على الشعور وتستقر في الخلجات.
هو الشعور بالحنين يضفي على النفس النشوة، تمامًا كمرور النسمات.
ما أجمل الماضي بعيون الحاضر، وما أجمل الحاضر حين يسمع صدى الذكريات!
أسافر مع تلك الخربشات بعيدًا؛ حيث الحنين لمدينة (روي) دُرّة المكان، وقد توسطت البساتين تلك الفلوات، أكادُ أسمع خطى المارة بتلك الأزقة والردهات، وحيث مقر جريدة عُمان سابقًا وصخب المحلات.
تحلق طيور صفحة بريد الجمعة من جريدة الوطن قاطعة كل تلك المسافات، فتعانقها صفحة رأي الناس من جريدة عُمان؛ فتصبحانِ واحةً لقراء عُمان من شباب وفتيات، وقد يتضاعف الحنين لجريدة الشبيبة من خلال صفحة البرزة؛ حيث لقاء الكُتابِ فما أحلى الذكريات!
نكتب منذ ثلاثة عقود، وقد كتبنا في تسعِ صحفٍ، ولا نزال في بداية المشوار وأول الخطوات.
بدأنا في ثلاثِ جرائد ورقية كانت منها الانطلاقة إلى عالم الكتابة بكل ثقة وثبات.
وها نحن نكملُ المشوار في ستِ صُحفٍ إلكترونية لكل من يسأل منذ متى بدأنا ننشر هذا الفكر وننتقي أعذب الكلمات.
بالأمس كنا نكتب الكلمات بقلوبنا قبل أقلامنا، وننتظر نشرها بشغف على الصحف والمجلات.
واليوم نكتبها على هواتفنا الذكية وفي مختلف الشاشات،
ونترقب نشرها خلال لحظات.
فاليد والأصابع التي أمسكت بالقلم وكتبت بالأمسِ تلك الكلمات هي نفسها اليوم التي تكتب بأحدث الوسائل والتقنيات.
ويبقى الحنين للقلم والورق والطوابع وشغف الانتظار، كمسافرٍ ينتظر الذهاب لوجهته في محطة القطار، وقد استبدل السفر بواسطة القطار وسائل أخرى، كالطائرات.
وعلى الرغم من وجود القطار فإن السفر بالجو أسرع لا سيما إذا اقتضت الضرورة ذلك وكثرت المبررات.
اختلفت الأحوال، وتيسر البحث والترحال، فأنت في فترة وجيزة تصل لوجهتك المحددة، وبأقصر المسافات.
وبكبسة زر تنشر ما تريد، وتتابع أخبار العالم بين يديك وفي أي وقت، وهذه نعم تستحق الشكر لرب الوجود وواهب الحياة.
وقد قربت هذه التقنيات البعيد، وأتاحت للمغتربين التواصل مع ذويهم بالصوت والصورة، فكان بدايةً فقط بسماعِ الأصوات عبر المحادثات، ثم تطورت إلى رؤية الوجه والقسمات.
ما أجمل التقنيات حينما تسخر في الطاعات، وما أقبحها حينما تسخر لظلم الإنسان وتشتيت الأُسر والمجتمعات!
ويبقى القلم رغم الألم شامخًا كالعلم، يكتب أخبار الأمم، لتجد كل أمة عملها وقد أُحصيت تلك الأعمال لها، كلٌ بما عمِل وما علِم، فلطفك بنا يا اللهُ، حينما يقرأُ كُل واحدٍ منا كتابهُ، وتعرض علينا الخفيات.