رحلتي إلى شمال إيران (٤) محطات الرحلة وبرنامجها (الجزء الثاني)
خلفان بن ناصر الرواحي
تحدثنا في المقال السابق عن ملخص الرحلة حتى اليوم السادس، وسوف نتحدث في هذا المقال عن باقي أيام الرحلة بتوفيق الله تعالى.
اليوم السابع:
كانت زيارتنا في هذا اليوم لبحيرة (أوفيدار) بمحافظة مازندران، والتي تبعد حوالي ٢٠ كيلو مترًا بعد مدينة جالوس، مرورًا بمنطقة (مرزن آباد) التي تتميز بوجود بعض المساجد المزخرفة الجميلة، ومرورًا بمدينة (نوشهر)؛ حيث يستغرق وقت الرحلة ما يقارب ساعتين من مدينة كلاردشت.
تعدّ هذه البحيرة لسد مائي تم استغلاله كمنتزه سياحي، ورسوم الدخول إليه ب ١٠٠ ريال إيراني، أي ما يعادل بالريال العُماني ما يقارب ريال وأربعمائة بيسة، وتوجد بمنتزه هذه البحيرة على ضفافها مظلات للجلوس يتم تأجيرها بقيمة ٥٠ ريالًا إيرانيًا، أي ما يعادل بالريال العُماني سبعمائة بيسة تقريبًا، وتحيط بهذه البحيرة غابات الأشجار من جميع الاتجاهات، وتتوفر بها مراكب صغيرة للتأجير لمن أراد أن يأخذ جولة قصيرة بها، كما يتوفر بهذا المنتزه محلات تجارية ومطاعم ومقاهٍ، وتأجير الدراجات الهوائية، ويتوفر به مكان للصلاة ودورات المياه عامة للجنسين أيضًا.
اليوم الثامن:
قضينا يومنا الثامن في رحلة إلى قمم (جبل رودبارك) لمشاهدة الثلج المتبقي في أعالي الجبل من شتاء العام الماضي، والوصول إلى تلك المناطق يتطلب سيارة دفع رباعي؛ حيث إن الطريق وعرٌ جدًا، وهو طريق ترابي وصخري شُقّ وسط مسار الوادي وعلى سفوح الجبال الشاهقة للوصول إلى قمم الجبال التي ما زال وجود الثلج فيها متبقيًا بكميات بسيطة.
يقدر الوقت من منتزة رودبارك إلى آخر نقطة تصل إليها السيارات ساعة ونصف تقريبًا، كما يوجد على امتداد الوادي بعض المنازل والاستراحات التي يتم تأجيرها، ويمكن مشاهدة بعض مربي الماشية على طول الطريق يمارسون مهنة الرعي، كما توجد مناحل لمربي العسل الجبلي؛ نظرًا لوفرة الزهور بالأشجار الجبلية بالوادي.
ومن الملاحظ أيضًا استخدام الحمير من قبل سكان الوادي للتنقل وحمل الأمتعة، ورعي الماشية، ونظرًا لوفرة المرعى في بعض الأماكن بالوادي توجد الأبقار أيضًا بوفرة، ويمكن أخذ بعض الوقت للاستراحة في بعض الأماكن في أثناء فترة الرحلة والتوقف لالتقاط الصور أو تناول الطعام؛ حيث يكسو الجبال الضباب، ويعدُّ مكانًا رائعًا لعشاق المغامرة والمشي وتسلق الجبال، ثم عند عودتنا أخذنا استراحة لتناول الشاي ووجبة الغداء على ضفاف الوادي الجميل بمياهه المتدفقة التي تشرح النفس وتنسينا مشقة الرحلة ذهابًا وإيابًا لهذا اليوم.
اليوم التاسع:
كانت وجهتنا لمنطقة (خورماجال)؛ وهي كلمة مركبة، وتعني باللغة الفارسية قفير الرطب – (خورما) تعني الرطب و(جال) تعني القفير- وتمكن مشاهدة بعض طيور البجع في هذه المنطقة؛ وذلك لوجود مجرى مائي رقراق ينساب من مسافات طويلة بين أحضان أشجار الغابات على الضفتين، ويوجد منتزه صغير تتوفر به بعض المظلات الصغيرة، وبعض الخدمات الأخرى البسيطة، وأراجيح الأطفال؛ حيثُ يقضي به السائحون من الداخل والخارج بعض الوقت في تناول الوجبات، وبعضهم يمارس السباحة في البرك المائية بمجرى الوادي من صغار وكبار، وتبلغ رسوم دخول السيارة للمنتزه ب ٤٠ ريال إيراني، أي ما يعادل بالريال العُماني حوالي ٦٠٠ بيسة.
ثم بعد ذلك وبعد خروجنا من المنتزه عند الساعة الخامسة عصرًا، عدنا لمقر إقامتنا بمدينة كلارديشت، وبعد استراحة قصيرة كانت لنا جولة حرة مشيًا على الأقدام في السوق المجاور بمدينة كلارديشت، ومنها سوق الأسماك واللحوم والدواجن والخضروات والفواكه، وكانت هناك مفاجأة غير متوقعة؛ وهي بأن التقينا بأحد الجنود المشاركين في حرب ظفار التي وقعت بسلطنة عُمان عام ١٩٧٥م، واسمه “سعيد أبو ساسال”، وكان لنا معه حديث خاص بهذا الأمر، واستقبلنا برحابة صدر، وأخبرنا بأنه قدم إلى سلطنة عُمان للمشاركة في هذه الحرب، وكان عمره آنذاك ثمانية عشر عامًا، إلّا أنه لسوء الحظ لم نكن نحمل معنا في هذه الجولة هواتفنا أو كاميرات لالتقاط صورته، وهو يعمل حاليًا في متجر لبيع الخضار والفواكة، وقد كان له نصيب من بعض مشترياتنا من متجره، فكان سعيدًا للقائنا به ونحن كذلك سعدنا بذلك، فكانت لحظة لم تكن متوقعة بالنسبة لنا وتعد لحظة تاريخية ضمن جولتنا في هذا اليوم على وجه الخصوص ورحلتنا على وجه العموم، ولهذا قررنا معاودة الكرة لزيارته لاتقاط صورة تذكارية معه، ولإعطاء القارئ معلومة ولو بشكل مختصر عن حرب ظفار فسوف نعرّج قليلًا لذلك، ونأمل أن تكون إضافة نوعية أخرى ضمن مدوناتنا لهذه الرحلة.
تعد حرب ظفار هي حرب ناتجة عن قيام ثورة معادية لحكومة السلطان الراحل سعيد بن تيمور آل سعيد- المغفور له بإذن الله- والتي وقعت بين ١٩٦٥- ١٩٧٥م، وتم إخمادها عام ١٩٧٥م في عهد السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد -المغفور له بإذن الله.
وتشير بعض المصادر إلى أنَّ “ثورة ظفار هي حركة معادية لحكومة سلطنة عُمان والاستعمار البريطاني، وظفار هو الإقليم الجنوبي لسلطنة عُمان، وظهرت هذه الثورة في الستينات في فترة حكم السلطان سعيد بن تيمور والد السلطان قابوس، وامتدت إلى نهاية 1975 (بعد 5 سنوات من حكم السلطان قابوس)، وتم إخمادها كليًا، وكانت هذه الثورة تحمل إيديولوجية اشتراكية شيوعية يدعمها الاتحاد السوفييتي وجمال عبد الناصر عن طريق اليمن الجنوبي الاشتراكي، فكان يتم تعليم وتمويل ثوار ظفار من الاتحاد السوفييتي عن طريق اليمن الجنوبي البلد المجاور، وبتمويل كل من ليبيا بقيادة معمر القذافي الذي كان يساعد الثوار في ظفار على حكومة عُمان هو وبعض الاشتراكيين من الدول العربية، وبعد فترة من هذه الثورة قام أهل المنطقة بتسليم سلاحهم لحكومة مسقط، وتم إخماد الثورة الداخلية، وبقيت المناوشات مع اليمن الجنوبي على الحدود في مناطق ضلكوت وصرفيت، لاحقًا انتهت خطورة التوجهات الاشتراكية الشيوعية بانهيار الاتحاد السوفييتي. وعاد ثوار ظفار واتحدوا مع حكومتهم بقيادة السلطان قابوس بن سعيد، وتم تكوين جيش خاص بهم يسمى قوات الفرق الوطنية، وهو جيش غير نظامي وعددهم يقارب 10000 جندي” -[موقع ويكيبيديا].
اليوم العاشر:
وبعد زيارتنا لمعظم المواقع السياحية القريبة من مدينة كلارديشت، ونظرًا لكون يوم الجمعة المباركة؛ فإنّ أغلب المواقع تكون مغلقة، فقررنا أن نأخذ جولة عامة في ربوع الطبيعة، وبأن تكون وجهتنا بعد ذلك إلى (منتزه رودبارك) عند المجرى النهري الرقراق مرة أخرى، الذي زرناه سابقًا في اليوم الخامس؛ لنعيش مع جمال المكان والجو الرائع جدًا هناك، فالطقس كان معتدل الحرارة تصل إلى ١٩ درجة مئوية تقريبًا.
ثم عند عودتنا قمنا بجولة تسوق في سوق الجمعة المقام بمدينة كلادريشت، ففي هذا السوق تعرض به مختلف السلع من ملابس، وأدوات منزلية، وتجميلية، ومواد غذائية وفواكة وخضار، وصناعات يدوية محلية، والعسل المحلي، والأعشاب المختلفة المتعددة الاستخدامات، ثم بعد ذلك العودة إلى مقر الإقامة بمدينة كلارديشت عند الساعة السادسة والنصف مساء.
اليوم الحادي عشر:
كان برنامجنا لزيارة مكان جديد، ويعد اليوم الأخير بالنسبة لنا لزيارة الأماكن السياحية في هذه الرحلة؛ حيث خصصنا اليوم الثاني عشر بأن يكون يومًا مفتوحًا للتسوق وشراء بعض الهدايا للأهل والأقرباء، فكانت وجهتنا لمدينة (عباس آباد) وشواطئها البحرية؛ حيث كانت وجهتنا لمنتزه ساحلي به مظلات للجلوس وتناول الطعام والاستراحة، ورسوم الدخول ب ١٠ ريالات إيرانية، أي ما يعادل بالريال العُماني ١٥٠ بيسة تقريبا- أجرة دخول للحافلة مع الركاب- وتأجير الجلسات ب ٣٠ ريالًا إيرانيًا لكل ساعة، أي ما يعادل نصف ريال عُماني تقريبًا.
يتميز المكان بالهدوء، وشواطئه النظيفة المكسوة بالأصداف البيضاء الصغيرة، كما تتميز مدينة عباس آباد بوجود بحر قزوين، فيوجد بها سوق للأسماك البحرية المختلفة الأصناف، ومتفاوتة السعر، وتعد مقبولة في القيمة نوعًا ما، واشترينا بعضًا منها لوجبة الغداء لليوم التالي.
وعندما وصلت للسوق سألني أحد الباعة عن بلدي، فعندما أخبرته أنني من سلطنة عُمان كان الانطباع والارتياح حاضرًا عند البائعة والمتسوقين أيضًا، وهذه نعمة عظيمة نحمد الله تعالى عليها، وذلك ليس غريبًا علينا؛ حيث الحكمة والسمعة الطيبة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وتعامل السائح العُماني معهم، والحفاظ على سماته الدينية والثقافية والأخلاقية، واحترام ثقافة الآخرين.
كما تعد مدينة عباس آباد مدينة تجارية وسياحية وزراعية، وتتميز بوجود مزارع أشجار البرتقال والأرز.
وعند العودة لمقر الإقامة قررنا زيارة “سعيد أبو ساسان” الذي شارك في حرب ظفار، وتحدثنا عنه سابقًا في جولتنا باليوم الثامن، فذهبنا برفقة العائلة، وعند وصولنا للمحل الخاص به رآني من بعيد وأخذ يناديني مرحبًا بقدومي مرة أخرى، وحينها كان عدد من السائحيين العمانيين يشترون من محله، وعلامات الاستغراب تظهر عليهم من هذا المشهد والترحيب اللافت للنظر! فبادرتهم بالسلام والتحية والتعرف عليهم أولًا وأخبرتهم عن السر، وبادلوه الحديث ومعرفة تفاصيل الموضوع منه مباشرة، فالتقطت معه صورة تذكارية بعد استئذانه، وعاودته في السؤال عن مهمته في تلك الحرب؛ فأجاب بأنه كان أحد الطيارين المشاركين في تلك الحرب، ومكث هناك ستة أشهر فقط، وقد كان عمره حينذاك ثمانية عشر عامًا، وسألته إن كان قد التقى مع المغفور له -بإذن الله- السلطان قابوس فأجاب بأنه لم يلتقِ به، إنما عرف بمشاركته في تلك الحرب، وأخذ يدعو له بالرحمة والمغفرة، مع العلم بأنه ليس الشخص الوحيد الذي التقيت به ويدعو للسلطان الراحل ولسلطنة عُمان قيادة وشعبًا، فكلما كنت أمرّ بمجموعة من الإيرانيين وخاصة كبار السن وبعض التجار فإنهم يبادرونني بالتحية وينادوني باسم عُمان والسلطان قابوس، وبعضهم يرفع أكف الضراعة للسلطان الراحل -طيب الله ثراه- ويثنون عليه، وزادني ذلك يقينًا بأنّ الحكمة والبعد عن التدخل في شؤون غيرك يفرض على الآخرين احترامهم لك، ويجعلك تاجًا مرفوعًا على الرأس، وآمنًا مطمئنًا في ذلك البلد، ويجب علينا أن نحافظ عليه كما هو ونزيده قيمة وبريقًا؛ وهذه هي الحكمة التي يعلمها الجميع عن سلطنة عُمان قيادة وشعبًا ولله الحمد.
وبهذا كانت خاتمة التجوال في الأماكن السياحية بشمال إيران، وعشنا لحظاتها الجميلة التي تبقى خالدة في الذاكرة، وأردنا أن نبسط حروفنا للعبير عن انطباعنا، لعلها تفيد كل من يريد أن يتعرف على هذا المكان من واقع تجربتنا الشخصية للمدن والأمكنة التي قمنا بزيارتها، والتي تعبر عن وجهة نظرنا الشخصية، مع أملنا بأن نكون قد وفقنا في التعبير عن الحقيقة دون مبالغة، ومن ثَمّ ستكون رافدًا مهمًا يستفاد منه.
وخلاصة القول فإننا نقول بأن منطقة شمال إيران تعد مكانًا رائعًا، ووجهة تستحق شد الرحال إليها؛ وذلك لسحر الطبيعة الآسرة، والأمان، وحسن التعامل، ومعقولية الكلفة العامة المتعلقة بالسفر، وكذلك الحياة المعيشية من مأكل ومشرب، فقد كانت رحلتنا غير مكلفة مقارنة برحلاتنا السابقة لبعض الرحلات الأخرى خارج الوطن، واعتمدنا في هذه الرحلة بالذات على توفير المواد الأساسية لجميع الوجبات لإعدادها في مقر الإقامة دون الاعتماد على المطاعم والمقاهي إلا ما ندر، ويعتبر ذلك عنصرًا مهمًا يجب الانتباه له لكل محب للسفر، وخاصة للرحلات السياحية الجماعية والأسرية.