صُنِع لأجْلـــــــــــــــــــــــــــي
محسن بن سباع الحاتمي
من أجل حُبّنا المخلص، بالقدر الذي أتى بكل طياته، حاملاً معه جميع تفاصيل مكنوناته، فتحتُ له الأبواب، ومهّدتُ له السجّاد والورود في جميع طرقاته للولوج إلى عالم الجسد والروح، تركته يقودني حتى اكتشفتُ قدري وأنا أتبعه، يجّرني بإيماني الصادق به، هامساً: لا تنمْ، قُم، لا مجال لأعطيك الزهور، فلا بد أن فيها القليل من الأشواك. فأنا البسمة والدمعة معاً. ستجتمع بأحباب الله قريباً، لا أنت تركتني، ولا أنا أستطيع تفاديك، فقد كنتَ القدر، بل القدر بعينه، حينها عرفت أن القدر ليس له حدود وطن، ولا أرض، ولا مال، ولا بيت.
احتفظتُ بالماضي الذي ملكته بما مضى، وتركت الغد المجهول ليَد القدر الذي صنعتُ منه استثماراً لتحويل قيود الحرية المفروضة داخل المحيط المحدود، إلى التألق المنشود، كانت الكفوف وعلى الأكتاف وسيلتي للانتقال إلى وجهتي، إلى أن أتت الوقائع تبحث لها عن حاجة، أم هي الحاجة دفعت به لتقبل الواقع؟ كلتاهما متساويتا الاتجاه والقيمة، جعلتُ الصُّدَف منها صدفةً وقت التعرف والدخول في عالم اللامتبادل الشعور، والوفاء المخلص الذي عجزتْ عنه ذوات الشعور، إنه يوم لقياك والارتماء في مرماك، عندما جلب والدي المقعد المتحرك ذا العجلات، وبدأ لي مقعداً ليس لعامة الناس، وليس له ساقان، لم يصنع من الخشب حتى أجعله أثاثاً مركوناً في الزاوية، يختلف عن جميع المقاعد المتحلقة بجانبَي السرير والطاولة، مما زاد فضولي للاقتراب منه أكثر، فيه محركان وعجلات تدور وتتوقف، وقودها الأمل والتفاؤل، وتسحق أسفلها التشاؤم، حينها اقتربتُ منه عن كثب لإمعان النظر أكثر في وجه الشبه، وعند النظر إليه للوهلة الأولى، بدأ لناظرِيه أنه يجلب الاستعطاف والشفقة، أيقنتُ أن الكرسيّ يشبهني، مع اختلاف المعدن، بل هو رواسٍ شامخات، لا مآسٍ ومآلات باكية، جميع المقاعد لا تروقني عدا الكرسيّ الجالس عليه بلا روح ولا إحساس يجرّ صاحبه حاضراً ومستقبلاً عمود الوجود، إلى أن ينبت لك جناحان، وتسعفنا الريح يوماً، حينها تحررتُ من ملاصقتك للأرض دوماً، كفاك جمالك الجانبيّ، لستَ مقعداً عامّاً، التأمّل فيك أفضل بكثير من الجلوس عليك.
جميع الكراسي لها يوم وتستنفذ من جالسها مع مرور الزمن، إلا أنت، ستبقى جسر عبور، وقارب نجاة..
أكره المقعد الذي قيّد صاحبه للمصلحة على حساب الوظيفة، يصعدون جميعهم لكراسي المناصب، حبستهم داخل الزنزانة، تقتصّ بلا محاكمة، لكنك هنا، أنت جعلتني سيّداً للمقعد، ملِكاً أعتلي منابر عرشك، لم أرتبط بك بدواعي المقايضة والتسلية بحثاً عن عدم التكافؤ، فأركن إليك لعظمة كيانك، لنكون على الخير معاً ونتّحد، وخير من يهدي إليّ طاقته فرحاً وبحثاً عن الخروج إلى العالم الواسع بلا انتظار المقابل، وقفزة خلف الحواجز المغلقة، لأطرق أبواب المستقبل، بدوافع خلق الأفكار من خلف الأسوار المحيطة، سارحاً بكلمات الجوارح المثقلة.
سأرحل يوماً ويمضي الجميع من على الكرسيّ، وتبقى أنت ذكرى تُحكى.