المدرسة …حياة – التحولات في المجتمع العُماني الأسرة
د. محمد بن أحمد البرواني
محمد للاستشارات الإدارية والتربوية
alnigim@gmail.com
إن ما يقلق المجتمعات القديمة والحديثة التحولات السريعة الحاصلة في المجتمعات، سواء قديمًا أم حاضرًا، والناظر إلى التحولات المجتمعية في مجتمعنا العُماني منذ السبعين وحتى اليوم؛ هو ذلك التحول السريع بايجابياته وسلبياته، سواء كان تغيرًا ثقافيًا أو اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو غيره، فكل تغيّر أو تحول اجتماعي يؤثر تأثيرًا جدّيا في غيره بشكل إيجابي أو سلبي، فالتحول الزراعي والنهضة الزراعية يتبعه تحول آخر في الصناعة لحاجة الزراعة إلى أدوات زراعية تسهم في الفلاحة وتساعد الإنسان في نمو مهنة الزراعة؛ مما يؤدي إلى ظهور مهن أخرى كالحدادة والنجارة كما يقول أبو حامد الغزالي.
وهكذا فإن الزيادة في الإنتاج الزراعي يتطلب وجود الأدوات التي تعمل على زيادة الإنتاج وهو أمر نتج عنه تحول توجهات المجتمع إلى ابتكار آلات أخرى بغرض إبراز هذه الصناعة، وفي المقابل فإن ما تنتجه الزراعة أيضًا تطلب مجالات أخرى من الصناعات والنواتج التي تصل إلى الأفراد في مختلف أنحاء المعمورة، وبروز مثل هذا الإنتاج وحاجة الناس تطلب أيضًا تقسيمه إلى كميات وأشكال مختلفة، وأدت زيادة الطلب إلى تحول التجارة من الفرد إلى الجماعة الذي عمل بدوره في زيادة عدد الشركات ومن ثم شيوع المنافسة، كلّ ذلك بدوره أدى إلى تغيّر توجهات الناس وأنماطهم وتحول معيشتهم وتعدّد مهاراتهم وتوجهاتهم وفق الصناعة التي يرغبون فيها وتحوّلهم من العمل بالزراعة إلى الصناعة؛ فأدّى هذا التحول إلى تحولات اجتماعية نتيجة التغيّر الاقتصادي إلى أعلى، ويقصد به التحوّل من الفقر إلى اليسر ومن اليسر إلى الغنى، أو من الكسب القليل نتيجة الإنتاج المحدود إلى الكسب الأكثر نتيجة زيادة الإنتاج.
إن هذا التحول الاقتصادي يغيّر من سلوك الأسرة وتوجهاتها؛ من حيث المقتنيات والأفكار واكتساب العلوم لحاجة استثماراتهم وتوسعهم في التجارة والصناعة، فتتحول الأسرة من قطاع إلى قطاع، أو من طبقة إلى أخرى أكثر ثراء وأرستقراطية فتتقمص أدوار تلك الطبقة وتسير على نهجها وتواكب تطلعاتها؛ فتتغير القيم الراسخة في أذهانها والتي ترّبت عليها ونشأت بها وورثتها أب عن جدّ من سالف العصور والأزمان، وبالنظر إلى مجتمعنا العُماني منذ نشوء النهضة الحديثة التي قادها المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد والذي حدّد فيها ملامح التطور بأن تكون الحكومة عصرية وأن العُمانيين سيعيشون سعداء، فإنه لم يكن بمنأى عن هذه التحولات المتسارعة التي حدثت نتاج التطور في البنية من شوارع ومستشفيات ومدارس؛ مما سهّل عملية الاتصال والتواصل ومن ثم ازدهار المدن وزيادة التجارة وتحوّل المجتمع من الزراعة إلى الوظيفة واعتماده على العمل الحكومي وقلة الإنتاج الأسري الذي عمل على اعتماد الأسرة في غذائها على ما تقدمه الصناعات نتيجة وفرة المال وسهولة الاتصال والتواصل وتوفر المنتجات في كل حارة ومدينة، هذا التطور أدّى إلى التغيّر في أحوال الناس واتجهوا إلى العمل وتحوّلت أماكن سكناهم نتيجة ذلك من القرية إلى المدينة، وبذلك تحولت أفكارهم وتوجهاتهم نتيجة هذا التحول الذي تطلب أيضًا وجود المرأة في العمل بجانب الرجل بعد أن كان المجتمع يعارض هذا التوجه ولا يحبذه وينبذه، وعمل هذا التحول أيضًا إلى قيام المرأة بأعمال مختلفة ومتعددة في مجالات مختلفة؛ كالهندسة والطيران وغيرها بعد أن كانت حكرًا على الرجل، عمل ذلك كلّه إلى تحوّل الأسرة من ممتدة إلى نووية ويمكن القول أن الأسرة الممتدة هي الأسرة المكونة من الجدّ والجدّة والأب والأم والأبناء يعيشون في منزل واحد، والأسرة النووية هي التي تتكون من الأب والأم والأبناء يعيشون في منزل واحد، هذا التحوّل الأسري من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية، ووجود الأب والأم في العمل أدّى إلى الحاجة إلى من يكون بجانب الأبناء في المنزل؛ وبالتالي الحاجة إلى مربية تكون بجانبه أثناء بُعدِ الأب والأم عن المنزل نتيجة وجودهم في العمل، والذي عَمِل بدوره على شيوع ثقافة جديدة تم اكتسابها من العاملة المنزلية الجديدة التي تطلب وجودها قرب الأبناء على مدار ثمان ساعات أو عشر أو أكثر بصفة مباشرة وبقية الساعات بصفة غير مباشرة نتيجة وجود الأب والأم بالمنزل وعودتهم إلى العمل، ومن المعلوم أن الطفل يتقمص الأدوار فيما يشاهده عن قرب بشكل متكرّر خاصة وأنه في مرحلة التقليد والمحاكاة، والتي تعتبر من أهم المراحل عند الأطفال الذي يتقمصون فيه أدوار الآخرين وسلوكياتهم.