الأخوة
وداد بنت عبدالله الجابرية
الأخوة هي السند، هي العضد… فقد ذكر الله لنا في كتابه الكريم عن الأخوة في عدة مواضع، فقد بين لنا أصنافا عدة؛ منها الصنف الأول وهو الطيب، الصنف الثاني هو العدو، أما الصنف الثالث فهو يجمع بين الطيب والعدو.
فالصنف الطيب بينه الله تعالى لنا في قصة سيدنا موسى مع أخيه هارون، فقد قال الله تعالى: { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ}. [سورة القصص: من الآية 35]، هنا أوضح الله تعالى بأن هذا الصنف من الأخوة يتميز بالحب والنقاء والعطف والحنان والإحساس، فعندما يتميز هذا الأخ بهذه الصفات فإنه لا يحتاج أن يطلب من أخيه ليحدثه عما يدور في خاطره؛ لأنه يعلم ويشعر بما فيه، أي قد فهم أخاه بدون أن ينطق أو يتفوه بأي حرف.
أما الصنف الثاني وهو العدو، فقد ذكره الله في كتابه العزيز في قصة قابيل وهابيل؛ حيث قال تعالى: { فَطَوَّعَتْ لَهُۥ نَفْسُهُۥ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخٰسِرِينَ}. [سورة المائدة: من الآية 30]، فمهما كانت العشرة بينهم فقد تدخل الشيطان، وأفسد على أحدهم حياته والآخر فاز بها، وبات الأخ الخاسر نادمًا على فعلته، فقد ذكر الله لنا في كتابه تبارك وتعالى: { فَأُوٰرِىَ سَوْءَةَ أَخِى ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النّٰدِمِينَ}.[سورة المائدة: من الآية 31]، فما فائدة الندم بعد فوات الأوان؟!
ويا أسفا على قلبٍ أُبتُليَ بنار الندمِ تحرقه! وليت الندم يساعد صاحبه، فقد خسر أخاهُ وحياتهُ، وبات ليلًا ونهارًا على الندمِ.
أما الصنف الأخير الذي يجمع بين الطيب والعدو، فقد ذكره الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام وإخوته؛ حيث اجتمع الأخوة على قتله، ولكن مشيئة الله حدثت؛ فأنطق أحدهم قائلاً: لا تقتلوه بل ألقوه في الجب (البئر). قال تعالى: { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِى غَيٰبَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فٰعِلِينَ }.[سورة يوسف: الآية 10]. فهنا تدخل الشيطان بينهم ليفرق شملهم، ولكن بمعية الله ومشيئته اجتمع الأخوة بعد مرور السنوات.
فهذه القصص جميعها هي عبرة لمن يعتبر، وبالأخير هناك من ربح أخاه، وهناك من خسره، فعلينا استلهام الدروس ليسعى كل منا لدنياه وآخرته، فقد فاز الصنف الطيب بالأخ الصالح ورفيقه بالجنة، أما العدو فقد فاز أخوه بجنة الرحمن، وخسر الآخر دنياه وآخرته، وأما الصنف الذي جمع بين الطيب والعدو، بعد طول الغياب بينهم فقد جمع الله شملهم، وهنا دخل بينهم الصبر والثقة بالله فلا نبتئس من البلاء، ولنكن مع الله ليكن كل شيء معنا، ويحلو لنا كما نتمنى، فهذه الابتلاءات هي درسٌ للجميع لنتعلم بأن رب العباد أراد من هذا البلاء أن يظهر لنا قساوة القلوب، فرغم هذا البلاء فهناك جزاء، فقد يهبك رب العالمين بمن هم أفضل من إخوتك، إنهم أصدقاؤك ليكونوا لك بمثابة الأخ الصالح والنقي، فليس أخوك فقط من يكون فقط لحمك ودمك، فقد يهديك رب العباد أخًا لم تحلم به في يوم ما يكون سندك وقت شدتك.
قست قلوبهم وأقست الحياة على عيشهم؛ ففاز كل من كان صابرًا على البلاء، وخسر من ظلم أخاه، ففي الظلم تزداد حياته ظلمة وقساوة، فلا تكن مثلهم وتظلم من حولك، وعش حياتك على الطيب والنقاء، وعش خالي البال؛ لتعش مطمئنا، ولا تكترث لما فعلوه بك، فقد أراد رب العباد كشف قلوبهم، وسارع لشكر الإله وعش بقربه؛ ففي قربه ستزداد به حلاوة الحياة.