الهجرة… موت، وضياع، وأمل
أ. هادي أحمد العبدو.
هُنا مع الكلمات، واليوم في مكان ما مع الفشل، والخسارة، والفقد، أردت التوقف للحظة لِخلق مساحة لكلِّ من فَقدوا حياتهم أثناء الهجرة؛ حيث صِراع الأمل، والموت. الكتابة هُنا؛ تعني وجود قِصص غير معدودة ممّن ماتوا وهم في طريقهم لتغيير حياتهم بأنفسهم. موتهم هو الموت بحثاً عن الحريّة، والعيش الكريم.
إنّ إدخال موت المهاجرين في رؤيتنا وأذهاننا يُجبرنا على الإعتراف بضعف وهشاشة حياتهم، وظروف الحرمان والألم التي دفعتهم للهروب من الموت إلى الموت. كما أن الظروف التي عاشوها ونعيش فيها ليست مصادفة للوقت والجغرافيا، بل نتيجة لِنفاق عالم يدّعي الإنسانيّة، ويتلذّذ كل يوم بالآلام وعلى الأوجاع…
وفي واقع الأمر أصبحت يوميًّا جثث المهاجرين في البحار موائد للأخبار أمام انعدام الشعور، وتبلّد الأحاسيس لتوليد علاقة متجانسة بين تلك الجثث وبيننا كبشر جميعاً -دون استثناء- إذْ تحوّل العالم لجثث بغير موت أمام الحالة الأخلاقيّة والسياسيّة. حيث يُسارع السياسيون والخبراء من جميع العالم إلى تقديم تحليلهم لأسباب هذا الحدث الدراماتيكي في معظم الحالات؛ ليتم اعتبار عدم الاستقرار الجيوسياسي هو السبب، مع اقتراح مجموعة من سياسات الهجرة لمنع وفاة مهاجرين آخرين في البحر الأبيض المتوسط.
ويلاحظ أنّ كل يوم يُغادر عشرات الآلاف من المهاجرين سوريا وتركيا هربًا من الحرب، والعنصرية، وبحثًا عن عمل للتخلص من الفقر وآثار تغيّر المناخ والصراع، ويقومون برحلات خطرة براً وبحراً، ويقع العديد منهم بمن فيهم الأطفال غير المصحوبين بذويهم ضحايا للمُسيئين والمُتجِرين والمهرّبين الذين غالبًا ما يتركونهم في الغابات والجبال دون طعام وماء، أو أحيانًا يرمونهم في البحر أثناء عبورهم البحر، كما يموت البعض على طول الطريق بسبب الجفاف والابتزاز والعنف الجنسي. حوادث مثل هذه هي تجربة شائعة للمهاجرين الذين يسافرون على طول الطريق باتجاه أوروبا للوصول إلى المستقبل الموعود..
وفي هذا الإطار “إنّ التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة، وما نراه الآن هو المهزلة”.. هذه مقولة شهيرة لماركس نحياها كل يوم؛ لأننا أمام لغة النزوح و/ أو الإسكات في المأساة السورية والتهجير التاريخي بسبب آثار الحرب والعنف. المأساة هي الخوف واليأس الذي يدفع المهاجرين إلى إيجاد حياة جديدة، المأساة هي أيضاً دولة غير راغبة أو معادية لمساعدة هؤلاء اليائسين على تحقيق أهدافهم وطموحاتهم. المأساة هي اللاإنسانية والعنصرية، وانعدام الفرص، واستحالة المشاركة في بلد جديد، ويمكن أن تتراكم هذه المآسي لتخلق المزيد من المآسي التي تهدد الحياة.
وعليه إن الترويج للخوف إلى جانب أوجه القصور في كيفية تأطير وسائل الإعلام للقضية – التركيز على الإجرام بدلاً من البشر الذين يقفون وراء الإحصائيات وكيف ساعدت السياسة والحرب في خلق الظروف التي يفرون منها – الذي أدى إلى تغطية غالبًا ما تثير الخوف و يُقدم نظرة ضيقة لتجربة المهاجرين، والمعاناة الحقيقية التي يعيشونها، ويمكن ملاحظة هذا الميل من خلال اختزال كل هؤلاء الأبطال البشر إلى سلسلة من الإحصاءات التي لا روح لها على نحو متزايد – مع عناوين مثل “80 مهاجر يموتون في مأساة القارب” – قد ازداد، وهناك أدلة متزايدة على أن هذا النوع من التمثيل الإعلامي قد يكون له تأثير عميق على الطريقة التي يُنظر بها إلى هؤلاء الأشخاص والتعامل معهم…