الكفاءة الذاتية
د. مسلم بن سالم بن محمد الحراصي
باحث في الموارد البشرية والقضايا التربوية
تهتم المؤسسات الحديثة بالتطوير والتحسين بُغية تقديم أفضل وأرقى الخدمات، ولتحقيق ذلك لا بد لها أن تركز على الوسائل والأساليب والتقنيات المستخدمة، كذلك انتقاء النظام التعليمي والتأهيلي المناسب؛ لضمان حصول الأفراد على كافة الاحتياجات اللازمة، ومما لا شك فيه فإن النظام التعليمي وأنظمة التأهيل والتدريب هي القاعدة الرئيسية التي تقف عليها المؤسسات الحديثة؛ لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة للأفراد في المجالات المتعددة العقلية والاجتماعية والبدنية والصحية والنفسية وصولاً إلى بناء الشخصية العملية التي تمتلك الكفاءة الذاتية والقادرة على تنفيذ كافة المهام والقيام بالأدوار المنوطة بها، ومواجهة التحديات التي قد تعاني منها.
تعددت المفاهيم التي تبرز معنى الكفاءة الذاتية والتي يمكن تعريفها بأنها الثقة التي يمتلكها الأفراد لتحقيق المهام والاختصاصات والأعمال نتيجة للمعارف والمهارات والتوجهات لديهم، وقدرتهم على تحديد احتياجاتهم وتطويرها، والاستفادة من نقاط القوة لديهم، ونؤكد أن الكفاءة الذاتية ليست مهارات يمتلكها الفرد فحسب بل أبعد من ذلك في إمكانية توظيفها وتطبيقها بشكل سليم وبما يناسب المواقف والتوجهات. وتتحسن الكفاءة الذاتية بعدة تأثيرات كما أشار إليها (Britner and Pajares) حيث أكد أن للإنجازات والنجاح الأكاديمي أثر في رفع مستوى الكفاءة الذاتية وزيادة ثقة الفرد بذاته، والشعور أن ما حققه عظيم ومصدر للفخر ودافع لتحقيق الأفضل، كذلك الإنابة وهو النمذجة وزيادة الكفاءة الذاتية عن طريق محاكاة عمل ما أو تطبيق نفس النموذج الناجح، والإثارة الانفعالية والتي توضح بأن الكفاءة الذاتية لها علاقة بالانفعالات مثل القلق فكل ما زاد القلق قلت الكفاءة، وبانخفاض القلق يرتفع مستوى الكفاءة الذاتية وثقة الفرد للتعلم والعمل، علاوة على ذلك الإقناع اللفظي وهو مقدار ما يستقبله الفرد من تحفيز ودافعية من الآخرين نتيجة للمهام والإنجازات التي يقدمها دعم له في تقدير حجم قدراته الذاتية وأخذاً به لتقديم المزيد. والكفاءة الذاتية لا تقف عند حد معين بل لابد من تنميتها وتطويرها ومواكبة التغيرات، والبحث عن مستجدات المعارف والمهارات التي تناسب العصر وتميز المتعلم والأفراد، وبطبيعة الحال لا يستطيع أي شخص الإقدام على أية مهمة دون علم أو دراية، ولكن في حال امتلاكه الكفاءة الذاتية يستطيع ذلك كما يمكنه اختيار المهام والأنشطة والأساليب والأدوات الدقيقة منطلقاً بها نحو الإبداع والابتكار. كذلك قدرته على التصرف في المواقف غير المتوقعة، والتعامل مع الأحداث المفاجئة، والهدوء في التنفيذ، وتنويع الأفكار المطبقة، والاحترافية في التعامل مع كل موقف بما يناسبها، وتحقيق الرضا الداخلي لديه، وفي المقابل من لا يمتلكون الكفاءة الذاتية أو لديهم بمستوى ضعيف نجدهم يعانون من التحديات والصعوبات، والانهزامية عن مواجهة الآخرين، ومحدودية التعامل مع متطلبات الحياة، والهروب عن المواقف الصعبة. ولضمان نجاح بناء كوادر تمتلك الكفاءة الذاتية العالية ينبغي على المؤسسات اختيار أفضل البرامج التعليمية ومتابعة الأداء، وإيجاد الحلول للتحديات، وتوفير الاحتياجات، وتمكينهم واستغلالهم إيجاباً في تحقيق أهدافهم وأهداف المؤسسة بشكل عام، وإشراكهم عملياً في بناء الخطط وتنفيذها، وبث روح الحماس في نفوسهم.