دوامة الحياة / الفصل الثالث إعلان عن الوفاة
سليمان بن حمد العامري
رن هاتف أبي سارة فنظرَ إلى شاشة هاتِفِهِ باستغرابٍ شديد، المتصل مركز الشرطة، ينظر إلى هاتفه والدهشة ظاهرة على وجهه، فيتساءل في قرارة نفسه: “ما هذا الاتصال الغريب الذي لم يسبق بحياتي؟”
يلتفت يمينًا ويسارًا كأن أحداً يلاحقه، وينظر إلى أم سارة، التي انتابها الخوف، واتسعت عيناها، فقالت: أجب على الهاتف أجب، ودَعت الله أن يكون خيرًا، رفع الهاتف بيديه المرتجفتين وقلبه الذي الذي تسارعت نبضاته على غير عادته، رفع السماعة وانتظر أن يبدأ المتصل بالحديث؛ ألقى التحية، أبو سارة في حالة صمت، الضابط على الخط يردد على هل تسمعني أخي الكريم، مرحبًا، مرحبًا، أجاب أبو سارة أخيرًا بعد صمت طويل فتحدث قائلاً: تفضل، كيف يمكنني مساعدتك.
– أنا ضابط من قسم الحوادث المرورية٬ هل لديك ابنة اسمها سارة؟
سمعت الأم اسم ابنتها، فوضعت يدها على قلبها، والدموع تحبسها وهي تقول، اللهم الطف بي.
– يتمالك أبو سارة نفسه ويكمل: نعم، أنا والدها، ماذا بها سارة؟ رجفة الصوت ظاهرة وقلبه يكاد يخترق صدره من تسارع نبضاته.
– يرد الضابط: يا أخي، عليك أن تأتي إلى مستشفى الطوارئ العام في العاصمة، وإن شاء الله كل شيء بخير.
– بنبرة انفعال شديدة ممزوجة بالخوف وانقطاع في النفس يأكل الكلمات، ماذا حصل أخبرني!
– الضابط، لا أستطيع إخبارك، أتمنى المجيء بسرعة.
يقفل السماعة، أم سارة بجواره مرتبكة، تخفي دمعتها، قلبها منقبض، أمسكت بيدي زوجها، وسألته: سارة.. هل أصاب سارة مكروه، هل سارة بخير؟
لمَ المشفى؟
أريد ابنتي حالًا وتبكي.
حاول أن يهدئ من روعها، وأن يجعلها أقوى، أراد أن يذهب لوحده للمشفى ولكن زوجته لم تسمح له، ارتدت عباءتها بسرعة، وركبا السيارة.
طوال الطريق، دعاءٌ لا يفارق لسانها، اللهم احفظ لي ابنتي، اللهم سلمها، اللهم لا تريني بها بأسًا.
توقفت هنيهة وقالت: اتصل بأخي عمر لكي يذهب إلى مقر عمل عيسى ويخبره، فله الحق فالآن عيسى صار منا وفينا بعد الخطبة وعقد القران.
لم يرد زوجته واتصل به، وصلا أخيرًا إلى قسم الطوارئ، ازدحام شديد، بكاء وصراخ ووجوه شاحبة، وصوت رنين الهواتف من كل حدب وصوب، سأل أبو سارة أحد الممرضين: لمَ كل هذا الازدحام؟
أجاب: ضحايا حادث مع الأسف.
مكروه أصاب سارة، فانهارت زوجته، يركض مسرعًا إلى الاستقبال، ويخبر الموظف هناك: أنا.. أنا أبو سارة، سارة التي اتصلتم بي من أجلها.
جاء الضابط إليه، أمسك به وأخبره أن يتماسك أعصابه وأن يصبر، زوجته لا قوة لديها، تستند على الحائط، تبكي وترتجف وتسبّح، بانتظار أي كلمة تطيب خاطرها وتجبر قلبها وتزيح غيمة القلق عن رأسها، تريد أن تطمئن وأبو سارة يريد أي إجابة على تساؤلاته، عن ابنته قرة عينه، لا إجابات لدى الضابط.
ولا إجابات لدى الموظفين والممرضين، تم تحويلهما إلى الطبيب المختص.
كل خطوة للأمام، هناك خطوة تشده للوراء، خوف من أن يحصل على إجابة سيئة.
أغميَ على أم سارة، فحملها لأقرب سرير؛ فتسارع الأطباء إليها وتجمعوا حولها، ليخبروه أن زوجته قد انخفض ضغطها من القلق، وأنها ستكون على ما يرام وحتى تستعيد عافيتها سيتم وضعها تحت المراقبة للاطمئنان عليها، أبو سارة في حيرة من أمره سارة وأم سارة، أجلس هُنا أم أذهب لأرى حال سارة، جمع نفسه وتركها تستريح على السرير، وراح يهرول بسرعة ليصل لابنته.
وصل الطبيب، ودخل فقال الأب: أنا ابنتي سارة، سارة ابنتي جاءت بسبب حادث إلى هنا ماذا حصل، أين هي، أريد رؤيتها!
الطبيب: مهلك، مهلك وأكمل، إن الله سبحانه وتعالى يبتلي الإنسان ليقيس مدى صبره، فهل أنت من الصابرين؟
بحرقة أجاب: يا الله، لا تمتحني بسارة.
ربت الطبيب على كتفه، وقال: سارة بحاجة لدعائكم، لتستعيد وعيها وعافيتها.
وعيها وعافيتها، يعني أن سارة حيّة، صحيح؟!
الطبيب: حيّة، قلب ينبض وأعضاء تعمل، الحمد لله ولكنها في غيبوبة، أنت لم تفقد سارة، لقد سيطرنا على النزيف، وحالتها مستقرة، ونأمل من الله أن تفيق.
أكثر من الدعاء يا أبا سارة.
خرَّ ساجدًا، فالاحتمال الأسوأ لم يحدث، شكر ربه بصوت عالٍ وركض إلى الغرفة التي تتواجد فيها زوجته، يا أم سارة، احمدي الله سارة حية، سارة بخير، سارة تحتاج دعاءك وصلواتك.
أمسك بيد زوجته وقال لها: الحمد لله على مصابنا.
فتحت زوجته عيناها: وفي لحظةٍ ما ارتخت يداها، وأغمضت عينيها، وبرد جسدها.
ماذا بك يا أم سارة، الجهاز الذي يقيس نبضات القلب يخرج صوتًا عاليًا، جاء مجموعة من الممرضين وطبيبان إلى المكان وطلبوا من زوجها الخروج.
قلبها ضعيف جدًا، يقول الطبيب.
حقن، جهاز تنفس، ضربات كهربائية للقلب، محاولات ومحاولات، الممرضين هذا هنا وهذا هناك وأبو سارة ينظر من فتحة زجاج صغيرة في الباب، ويقول: يا الله، ردّ لي زوجتي، رد لها عافيتها.
ابتعد الممرضين عنها، نظر الطبيب إلى ساعته، وأعلن ساعة الوفاة.
ثم خرج الممرضين دون أن يقولوا شيئًا لزوجها، حتى خرج الطبيب من الغرفة وقال أبو سارة: تلك زوجتي ماذا بها؟!!
قال: الأعمار بيد الله، ادعُ لها بالرحمة والمغفرة، لقد تعرضت لذبحة قلبية حادة نتيجة التوتر والضغط.
في المرة الأولى مرّ انخفاض الضغط وعالجناه ولكن مع الأسف قلب زوجتك جدًا ضعيف ويبدو أن ما مرت به لم يكن هينًا إطلاقًا.
أسأل الله أن يربط على قلبك وأن يلهمك الصبر. وتركه ومشى. لا يحرك ساكنًا، اجتاحه الصمت، لا يعرف ماذا يقول، أي رد سيعبر.
كيف حصل ذلك!
سارة وأمها في يوم واحد، سارة في غيبوبة وأمها تفارق الحياة، لا حول ولا قوة إلا بالله، وضع يده على رأسه …. يتبع