دوامة الحياة_ الفصل الثاني العودة إلى الماضي
سليمان بن حمد العامري
لحظة يا عيسى، قبل أن تتحدث بما عندك أردتُ إخبارك بشيء ما؛ قبل زمنٍ ليس ببعيد مرَّ علي هذا الحدث مع أخيك عبد الله٬ فالتقيت به في نفس المكان، كيف أحواله الآن؟
يجيب عيسى: يا شيخ، الحمد لله، عبد الله بصحة جيدة وأنتَ تعلم هذا بفضل الله، فالله ميسر الأسباب ومسخر العباد، فهو من جعلك سبباً في نجاته ومجيبًا عن تساؤلاته، و مخلصه من الأفكار السلبية التي كانت ستنهي حياته٬ أتعلم يا شيخ ما أتيتُ هنا صدفةً، ولكن أخي الغالي هو الذي أرسلني إليك لعلك تساعدني، وتخرجني مما أنا فيه؛ وما جئت إليكَ إلا وكلي ثقة بأنك أهلٌ للمعروف؛ لما لديك من الحكمة والصلاح والكل شاهدٌ على ذلك، فدعني أخبرك بكل شيء ولماذا أنا هنا الآن؟
وفي يوم من الأيام٬ عندما استيقظت أم سارة من نومها وهي متعبةٌ بشدة وألم شديد يعصر بطنها٬ فسألها أبو سارة عن حالها، فليس من عادتها الشكوى أو النوم لساعاتٍ متأخرة٬ فأخبرها إن كانت تريد الذهاب إلى المستشفى؟
فردت عليه بلا، وأنها سوف تكون بخير إن شاء الله، بعد الاستحمام٬ وقد استطردت، فقالت له: هل تعلم يا أبا سارة٬ اليوم هو أول يوم ترحل فيه ابنتنا سارة عنا إلى مكان بعيد٬ لتبدأ رحلتها الأولى في مرحلة الدراسات العليا هل نسيت هذا؟ فأجابها: إنه لم ينسَ ولكن … قبل أن يكمل جملته، قاطعته زوجته بقولها: ليس هناك لكن؛ يجب علينا مساعدتها وترتيب مستلزماتها.
صمت قليلاً، ثم قال: حسنًا يا أم سارة، الأمر راجع إليك، فإن كنت ترين نفسك جيدة فأنتِ أعلم بنفسك والحمد لله، وأتمنى لك دوام الصحة والعافية وسلامة البدن يا زوجتي العزيزة، وقام فقبَّل رأسها وخرج كعادته ليتفقدَ أشجار المنزل، وذهبت هي لتيقظ أبناءَها للإفطار.
ولأن الإنسان لا يعلم ما سيحدث معه بعد لحظات، والله سبحانه فقط هو عالم الغيب والشهادة، كانت أم سارة تشعر بإحساس غريب، شيء ما يعصر قلبها، قلبها مقبوض.
ففي لحظة يتوجب عليها أن تفرح لذهاب ابنتها التي ستعود بعد فترة بشهادة جامعية من جامعة مرموقة، وأن تحصل على لقب الدكتوراه، هي خائفة، من ماذا!!! لا تعرف.
تُكابر على نفسها، وتحاول الاستمتاع وقضاء يومها بشكل لطيف مع ابنتها قبل أن يحين موعد السفر.
جاءت الساعة المنتظرة، لسفر سارة، وقف الأب والأم وأطفالهم وسارة، حزموا الأمتعة ورتبوها وانتظروا مجيء الباص الذي سيأخذ ابنتهم ويوصلها إلى الجامعة.
لحظات الوداع صعبة على الأمهات، مليئة بالبكاء والدعاء، يحزن الآباء لفراق بناتهم ولكنهم لا يظهرون، فهم أقدر من زوجاتهم على إخفاء مشاعرهم، تحتضن أم سارة ابنتها بقوة، وتوصيها بأن تهتم بنفسها وأن تأكل جيدًا وأن تحافظ على صلواتها، أن تقرأ القرآن في الطريق، أن تقرأ دعاء السفر حين الانطلاق.
أبو سارة يخبر زوجته أن هذا كافٍ، الباص ينتظر، والسائق يضغط على بوق الباص ليستعجلهم.
وأخيرًا تركتها تذهب، سارة في طريقها للباص، يا أمي سيكون كل شيء على ما يرام… وركبت الباص.
ما إن مشى الباص حتى بدأ إخوتها الصغار بالبكاء، يريدون سارة.
احتضن الأب أبناءه، وأخبرهم أن سارة لن تغيب كثيرًا وستعود وهي دكتورة، ستكون أختكم الدكتورة سارة.
سارة وزميلاتها في الباص، كُل واحدة منهن في عالمها الخاص، من تقرأ كتابا، ومن تتحدث عن أحلامها، ومن تبكي؛ لأنها تتذكر وداع أمها، وسارة تقرأ ما تيسر من القرآن الكريم.
في الطريق إلى المطار، لم يتبقَ سوى القليل ليصل وإذ بشاحنة مسرعة تخرج من طريق فرعي فجأة وبلا مُقدمات، يحاول سائق الباص أن يتفاداها ولكنه لم ينجح، اصطدمت الشاحنة بالباص، فانقلب الباص رأسًا على عقب.
كانت المسافة بين تحقيق أحلام الفتيات وتدميرها نصف ساعة، السائق والفتيات أي مصير ينتظرهم وماذا حدث لهم؟
تجمهر الناس في منطقة الحادث، اتصلوا بالإسعاف والدفاع المدني والشرطة.
جاءت الطواقم الطبية، استطاعوا إخراج سائق الشاحنة، وسائق الباص والفتيات.
الكُل مصاب، لم يسلم أحد، وهناك وفيات، هكذا صرخ الشاب في الدفاع المدني..
الطواقم الطبية تحاول التدخل بأقصى ما لديها من إمكانيات، كُل الحالات تم نقلها إلى المُستشفى..
سيتم التواصل مع ذويهم وتسليم الوفيات ومتابعة الحالات الخطرة…
أم سارة، قلبي يا أبا سارة منقبض، هناك خطب ما، أشعر بالض….، لم تكمل كلمة الضيق حتى رن هاتف الوالد،………..
يتبع…