أمانٍ عَابرة
مريم بنت سعيد السماحية
تَجدها بين شجر الغَاف والسمُر الكثيف، الذي يُحيط بمنزلها الصغير، الذي يقع على عُلو تلة من رمل كثيف ناعم قد أَتت به رِياح السنين، والتي مَرّت على هذه البلدة، ويَقبع هذا العريش في آخر منازل أهل البلدة في عُزلته، بعيداً عن جميع المنازل، قريب (الجايز) الذي يَتوغل التل الرملي الكبير، والذي قد غَطى حوائط العريش من الجهةِ الغربية، والذي تمر بهِ السَيارات القديمةِ آنذاك، ولديها كَلبان كَبيران تجدهم دائماً نَائمين بِمحاذاة العريش، يراقبان الأغنام وعُبُور المارين والذاهبين والعَائدين، وهي طوال النهار تجمع الحَطب وتضعهُ بمُحاذات العَريش للطبخ ولأيام البرد، وتأخذ من تل الرمل مَكاناً لِتجلس به صَباحاََ، ولِتّْتبع غُنيماتها مساءً إلى أن يأتي الغُروبْ، ويسدل عليها سِتارة النهار بقُدوم الليل، والذي يأتي بِلياليه المُتشابهة منذ الأزل.
تجد نفسها أمام إناءً من طعام، لِتسرقها الذكريات وتعود بها إلى منزلٍ كبير، وكُتُب كثيرة كانت لِوالدها (المطّوع)، فهو خَاتم لكتاب الله ويُدير شؤون الناس ويقتص من الظالم، ويُعطي الحقّ لصاحب الحقّ، تبتسم لسماع صوت أمها الهادئ كأنها اللحظة (يوم بتعرسي). واقع مذاقهُُ مُر ولكن قَبلت به بكل حُب، وبكل ما تجود بها نَفسها من حُبها لأبيها، وشغَفها بأمها، برحيلهماَ فقدت الدفء بعد رفض أبيها الشيخ زواجها من إبن العم، وإبن الخال، والجار، والصديق له، والغريب عنهم، والقريب إليهم.
مضت الأعوام وعزفْ الَشيبْ بدايته وأنتهى، وبدأت أعوامهُا تَمضي متكأة على عِكاز الرضا، وأمست يتيمةً إلا من أخ مضى في طريق أبيها لِيمنع تزويجها، وليس هناك سبباً إلا فقط أنها أُنثى تقيم على المنزل، وتَطهي الطعام وتدير شؤونه ومَهامّْه اليومية، تزوج من شاء له الله أن يتزوج، وأَنجبْ من أَبناء من شاء الله له أن يُنجب، ومرت الأعوام وذهب الحُلم الذي كانت تجمع له شويخ الأماني وتُزخرفها بابتسامة لليلة لن تأتي، وهي وتعلم ذلك، وتزحَف الشيخوخة قادمةً بِكُهولتها التي تركتْ شويخ في دائرة لا ماضي ولا حاضر، يُسعدها منه رؤية صغاراً كانوا أمامها، أصبحت اليوم خَطواتهمْ كل صباح ترتسمْ على (الجايز) الرملي، وأصواتهم تخترق مَسمعَهاَ، وهم يهرولوُن عن العجوز، والكَلبان اللذان بِنباحِهمْ يهزوا أرجاء تلك البلدة، وبكل حُب تُسكتهم بِرميهمْ بحجراً صغيرًا، والصغار يبتعدون مع الصراخ والضَحك تاركين المكان الحزين، ذاهبين إلى المدرسةِ وشق طريق العلم والحياة، وشويخ تنظر إلى البعيد، ثم تقف متجهةً لرعي أغنامها وتجمع الحَطبْ وهي تغني وتقول:
أسمع بِكَاكنْ فوق. عَالي داري
وش باغيتن يو. حَمامنْ منيِ
نُوحن هَدب لعيون يوم قماري
وتشَاكيّن يوم الضحاوي يبنّيِِ
مُوصيّه طارش. يجيب الطاري
عِل الذي موصاي..، يفهم ضني
—————
1- العريش: يُبنى للسكن من سعف وجريد النخيل
2_الجايز طريق يتوسط البلدة طولاً يُوصلها بالقُرى والبلدات المجاورة
3_ يبنٌيِِ معناها يَبني مَكانه ويَكتمل