دوامة الحياة الفصل الأول الأحداث بداية القصة “المزرعة”
سليمان بن حمد العامري
يومٌ جديد بتاريخ ٢٥/ يونيو٬ هو الشهرُ السادس في السنة بالتقويم الميلادي، وأحد الأربعةِ أشهر التي تتكون من 30 يوماً، يُسمى في العراق وبلاد الشام بحزيران، وأحياناً في مصر يونْيَه، وفي تونس والجزائر جوان.
في هذه الأيام تشتد حرارة الصيف، وتكون في بعض الدول العربية لا تطاق؛ فقد تصل لـ ٥٥ درجة مئوية.
استيقظ عيسى من نومه كعادته بعد سلسلةٍ من الأحلام التي تملَؤها الكوابيس المزعجة، مما يجعل صفوه متكدرًا دائمًا٬ فيقرر الخروج والاستجمام وحيداً في إحدى المزارع التي يمتلكها والده٬ ومن المعروف أنها تمتاز بجمالها ورونقها٬ ويعود ذلك أحيانًا للأجواء الممطرة الخلّابة التي تزدان بها الأرض فيبرز سحرها، فتتناغم الطبيعة بأشجارها المثمرة، وأعشابها الخضراء مع تغريد الطيور وخرير المياه؛ حيث يصنعان معا سيمفونية من صُنع الخالق، يظن عيسى أنه بهذا الجمال سيتمكن من الهرب والنسيان، فتنطفئ نار قلبه المهموم ويبرد لهيبه.
ينطلقُ مسرعًا إلى سيارته، وعند تشغيل محرك السيارة سمع صوتَ أحد يتلو القرآن الكريم؛ إذ به صوت القارئ الشيخ “محمد أيوب” المنبعث من المذياع، متأملاً هذا الصوت الندي، فاستوقف عند قوله تعالى: “قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ”. سورة الزمر:(53).
أخذ عيسى حينها شهيقًا تبعه زفير، كأنه بهذا النفس العميق أعاد تجديد روحه، آية طمأنت قلبه.. مضى عيسى في طريقه إلى المزرعة، فرأى رجلاً كبيراً بالسن يمشي بالجوار٬ تجمعهما صلة قرابة٬ ألقى عليه السلام وتبادلا أطراف الحديث، فسأله الشيخ عن أحواله وأخباره، أين أراضيه؟ فهذا الشيخ لم يره منذ مدة طويلة، لعل ما يشغله خير، في سياق الحديث قال له: ما لي أراك نحيفًا هزيل الجسد؟
أجابه عيسى محاولاً أن يطمئنه: أنا بخير، كل شيء على ما يرام، لا تقلق.
لم يُصر الشيخ كثيرًا على عيسى مع أنه يرى هالاتٍ سوداء تحت عينيه، نتيجة سهر وشحوب في الوجه دلالة تعب.
في لحظة صمت، عادت أحلام عيسى لتلاحقه، ولكن هذه المرة ليست في نومه وإنما في يقظته.
انفصل عيسى عن الواقع للحظة، تعجب الشيخ من حاله، فنادى عليه، فلم يَرُد، فقام وأمسكه من كتفيه، لعله يعيده للواقع من جديد، كاد الخوف يتملكه، حتى أجابه عيسى بعد أن تنَهَد قائلاً: آسف يا عمي، سرحت في أمر ما.
عبّر الشيخ عن خوفه، مستغربًا مما حدث، فتساءل: هل ما حدث ناجم عن تعب أو مرض؟
أكد عيسى له من جديد أنّ الأمور بخير، لا شيء هي لحظة عابرة سرحَ فيها فقط لا أكثر.
استأذن الشيخ، موصيًا إياه أن يوصل سلامه إلى أبيه، وأدار ظهره متوجهًا نحو الباب ليخرج.
كأن شيئًا ما أوقف الشيخ في منتصف الطريق، شيء أخبره أن عيسى ليس بخير، وأن هنالك ما يخفيه، عاد من جديد وأعاد السؤال ثانيةً عليه، راجيًا منه أن يخبره فقال: يا عيسى، يا بُني، أنا منك كأبيك، أخبرني إن كان هناك شيء ما يزعجك، تعال نتقاسم الهم الذي عندك، فلعلي أنصحك وأخلصك من مشكلتك.
سكت عيسى، لم يعرف كيف يرد عليه، فقال: لا تقلق الأمر بسيط وسوف أتجاوزه، ولكنني أتمنى أن تذكرني في دعائك.
دعا له الشيخ براحة باله، وإزاحة الهم عن صدره واستودعه الله، كانت الشمس توشك على الغروب، فاستأذن الشيخ منه مجددًا ليغادر.
شكره عيسى، ما أن مرت دقيقة حتى ناداه، طالبًا منه أن يجلس، وأن يخبره عمّا يؤرقه ويلاحقه في منامه، فينغص نومه ويكدر صفو يومه، يتبع٬….