العميل السيّد
سعد بن فايز المحيجري
تمنح بعض المؤسسات عملاءها مجموعة من الخدمات المميزة، وتتفاوت هذه الخدمات والمميزات حسب قدرة العميل المالية، وأخص بالذكر المؤسسات العاملة في المجال المصرفي.
فالبنوكُ تُتيح لعملائها الاستفادة من بعض المميزات التي تقدمها لهم، كلٌ حسب مقدرته المالية، فكلما تضخّمَ الرصيدُ البنكي للعميل زادت جملة الخدمات والخيارات والمميزات التي تُتيح له التمتع بها، وهذا حق مشروع قانونًا في العرف البنكي-حسب ظني- لكل بنك أو مؤسسة ترى أن أصحاب الوفرة المالية من عملائها يوفرون لها ما لا يوفره عميل راتبه لا يتعدى 325 ريالا عمانيا، وكنتيجة حتمية لذلك أيضًا -في أبجديات بعض البنوك- تختلف درجة المجاملة، أقصد المعاملة للعملاء حسب تورّم الرصيد البنكي.
وكما ذكرتُ أعلاه فإن المؤسسة لها الحق في تمييز هؤلاء عن غيرهم كما تشاء، وأنْ تُغرقهم بوابل من عطايا الخدمات، وأنْ تسهّل لهم طرق بسط مالهم، وأنْ تتفنّن في التلوّن للحصول على أرصدتهم، فذاك شأنها وشأنهم، ولكنْ عليها الانتباه في الطرائق التي تتبعها في ذلك، فحينما أنتظر لنصف ساعة أو أكثر ضمن المنتظِرين لإنجاز معاملة ما في أحد هذه البنوك، وأتفاجأ بأكثر من عميل يأتي بعدي، ويتقدمني لإنجاز معاملته وأنا على صف الانتظار، فهنا يجب أن أستوضحَ الأمر!!
ما الذي جعل هذا العميل يتقدمني وآخرين، ليصل من الباب إلى الموظف دونما وقوف، حتى إنَّه لمْ ينتظرْ لدقيقة واحدة؟!
وبعد الاستيضاح تبيّن أنَّ هذا العميل يملك بطاقة بنكية تخوّله الدخولَ المباشر لإنجاز معاملاته، حتى لو سبقه مائة شخص؛ لا شيء سوى أن رصيده البنكي بضعة آلاف، وكلّما زادتْ آلافه قَصُرَ وقتُ انتظاره حتى ينعدم، فهناك مَن يمتلكون نوعًا من البطاقات تخوّلهم الدخول المباشر إلى الموظّف، بل المدير، ويقوم باستقبالهم أيضًا من عتبة باب البنك.
فهل أوقات هؤلاء أثمن مِن أوقاتنا؟! وهل انتفاخ أرصدتهم البنكية تُعطي موظفي البنك الحقَّ في معاملة الأقلِّ أرصدةً منهم بازدراء، لدرجة أن يُغادر العميل المُنتظِر مقعده ويخرج، ولا يلتفت إليه أحد من الموظفين؟! عجبًا لذلك كله! فالإسلام حارب ويحارب هذه العنصرية والطّبقية وأنتم تزرعون بذورها، وتشحذون بنادق الحقد، وتلغّمون أراضي الكراهيَة بمثل هذه السياسات الخاطئة، وتصبّون فوقها حمم التصرفات الجاهلية، متناسين متجاهلين التعاليم الإسلامية والوصايا النبوية، ويبدو أنَّ قيمَ الرأسمالية ومبادئها هي التي تتحكم بنا، على الرغم من إسلاميّتنا.
تخيّل معي أيها القارئ كيف سينظر العميل المنتَظِر إلى العميل الذي جاء بعده وأنهى معاملاته قبله، وكمية الإساءة والأذى النفسيين، اللذين سيتسللان إلى قلب المنتظِر، ويملآنه كرهًا وحقدًا، وإحساسًا بالدونيّة أمام ذلك العميل. وانظر إلى الحال المقابل عند العميل السيّد، كيف سيرتفع “أدرينالين” التعالي، ويزيد معدل هرمون الاستصغار، وشعوره بالفوقية والاستعلاء على من حوله.
فإن كان لا بد من تمييز لهؤلاء العملاء الأسياد حفظًا لأوقاتهم، فهناك ألف طريقة وطريقة لذلك، دون أن تستثيروا النفوس، وتلفتوا الأنظار -ولستم بعاجزين عن معرفتها، ولديكم القدرة على تطبيقها- ودونكم إحداها: من الممكن عمل قسم خاص لهم، ويكون الدخول إليه من جهة أخرى غير الباب الذي ندخل منه نحن المنتظِرين، هذه واحدة فقط، والحلول كثيرة إن أردتم استصلاح تلك السياسات التمييزية، وإن كان لا نيّة لديكم فالكلام يقف هنا.