2024
Adsense
مقالات صحفية

الصحافة الاستقصائيّة، ودورها في التغيير وصناعة القرار

أ. هادي أحمد العبدو.

تلعبُ وسائل الإعلام دورًا مهمًا وحاسمًا في حياتنا، ومن الصعب جدًا تخيُّل المجتمع دون وسائل الإعلام، وبالتالي فإنّ الإعلام جزءٌ لا يتجزّأ من المجتمع والعلاقة بينهما جدلية، ويؤثر كل منهما بالآخر.

وعندما يتم ذكر وسائل الإعلام، فإنّ عقول الناس دائمًا ما تأخذهم إلى أنواع هذه الوسائل والطرق المتاحةَ في الإعلام المرئي، والمسموع، والمكتوب؛ للوصول إلى أشكاله المختلفة، وقد ارتبطتْ نشأة وسائل الإعلام بالطرق التي يتم من خلالها بث الأحداث من خلال أنواع مختلفة بتقنيات وسائل الإعلام المتاحة.

ومن وسائل الإعلام المعروفة بالتزامها بكشف الحقائق للقرّاء هي الصحافة الاستقصائيّة التي ظهرت في المناطق الرماديّة من الأخبار، تمامًا بذات الطريق الذي سلكه المؤرّخون عبر ظِلال التاريخ للعثور على الخيط الأول لأي قصة.

وتذهب الصحافة الاستقصائيّة إلى ما هو أبعد من الإبلاغ عن “من وأين وكيف وماذا ومتى ولماذا”، وهو ما يصلح لمعظم الأخبار والميزات، وتُعرِّف اليونسكو الصحافة الاستقصائيّة بأنّها ” الكشف عن الأمور التي يتم إخفاؤها إمّا عمدًا من قبل شخص في موقعِ سلطة، أو عن طريق الخطأ، خلف كتلة فوضويّة من الحقائق والظروف، وتحليل وكشف جميع الحقائق ذات الصلة للجمهور.”

وإذا بحثتَ عن مصطلح “الصحافة الاستقصائيّة” على الإنترنت، ستجد وصفًا عامًا مثل: كشف الفساد والاحتيال والجريمة، غالبًا في السياسة والأعمال. لكنها تشمل أكثر من ذلك بكثير. يمكن للصحفي الاستقصائي التحقيق في أي شيء إذا كانت قصة جيدة، أو إذا كان هناك شيء غير مرغوب فيه يحدثُ في أي مؤسسة أو مجموعة، أو مواطنين يتعرّضون لسوءِ المعاملة أو الظلم.

والذي عزّز الصحافة الاستقصائيّة الإنترنت وأدوات الرقمنة والاتصال المعزّزة حيث ربطتْ العولمة بين المستجدين والمبلّغين عن المخالفات والانتهاكات في كلِّ مكان.

والمراسلون الصحفيّون الذين يُحققون في القصص يقولون: ” إنّ القلم أقوى من السيف” كما كتب الكاتب المسرحي إدوارد بولوير ليتون في عام 1839. وبعبارة أُخرى فإنّ تعريف الصحافة الاستقصائيّة هو التغطية الإخباريّة الجادة. عندما يجمع المراسلون أدلة على قصص عن الفساد والعنف، غالبًا ما تكون مخفية عن الأعيُن، لإحداث تغييرات في السّياسة تُفيد الجمهور.

وعلى المستوى الإجرائي تتجه الصحافة الاستقصائيّة إلى ما هو أبعد من التقارير اليومية لكشف الظلم المنهجي ومحاسبة أصحاب النفوذ. وغالبًا ما تستغرق التحقيقات المُنغمسة في المصادر الأولية مثل وثائق المحكمة والسجلات العامة الأخرى شُهورًا -إن لم يكن سنوات- وفي النهاية يمكن أن يكون تأثيرهم مُغيّرًا للعالم وحياة الأفراد وعميقًا لمجتمعات معينة.

كما تقوم الصحافة الاستقصائيّة بتحويل الموارد والخبرات إلى الكشف عن الانتهاكات المحتملة للسلطة، والتطورات التي قد تؤثّر بشكل كبير على حياة جزء من المجتمع، أو على الأقل تُنشئ نظامًا لمراقبة المصالح القوية التي قد تتحقق من إساءة استخدام السلطة بمثل هذه النتائج، كما أنها تُلفت الانتباه أيضًا إلى أوجه القصور السلبية في السياسة العامة التي تؤثر على الجمهور، وتتطلب هذه الواجبات أحيانًا أن يكشف الصحفيّون عن النشاط الإجرامي، والتحقيق في انتهاكات السلطة، وفضح الأعمال الخاطئة، وحماية صحة الجمهور وسلامته، ودعم الإدارة المفتوحة للعدالة والحكومة لتحفيز التغيير، وصناعة القرار.

ومن هذا المنطلق بدون الصحافة الاستقصائية سيكون هناك الكثير من الأشياء السلبية التي تُرتكب ضد المجتمع دون علمِه؛ ونتيجة لذلك من المحتمل أن تكون هناك انتهاكات مُتفشّية لحقوق الإنسان، وإساءة معاملة قطاعات معينة من المجتمع دون أي ذكر؛ لذلك فإن الصحافة الاستقصائيّة تُبقي مرتكبي الشر والفساد على أصابع أقدامهم لأنّهم معرضون لخطر الانكشاف.

واستخلاصًا لما سبق فإن امتياز وواجبات الصحافة الاستقصائيّة هو الدفاع عن حريّة التعبير وصناعة القرار السليم، لرسم لوحة من الحياة المجتمعية جديرة بالثقة ممّا يجلب قِصصًا -كبيرة كانت أم صغيرة- التي لولاها لن ترى النور أبدًا. القصص التي يمكن أن تُغيّر العالم.

وعليه قد يُقدّر المجتمع دور الصحافة الاستقصائيّة وعمل الصحفيين الاستقصائيين إذا فهم أنّ الفساد يحرمهم من حقهم الأساسي، مثل الحق في الغذاء والمأوى وما إلى ذلك، وإذا اعتبروها القوة الحقيقية الكامنة وراء التغيير وصنع القرار.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights