ما بين تشويه الصورة وتلميعها
أحمد ين سليم الحراصي
(يوم ما عرفت ترقص، قالت الميدان ضيق) مثل عماني.
هل تظن أنك تستطيع أن تشوه صورة امرئ ما بمجرد أنه لا يعجبك؟ ، ورأيت أن مستواه قد تعداك كثيرًا ولم تطله وحتى أنك لم تستطع أن تسايره، فظننت بعدها بأن تشويه صورته قد يبدو حلًا للإطاحة به أسفل الدركات بعدما كان في أعلى الدرجات، أستطيع أن أقول لك بئس حل الجبناء الذي انتهجته! فأنا لا أتصور نفسي بأن أكون في منافسة مع رجل كان أم امرأة بأن أنتهج حلًا كهذا عندما أخفق في منافسته.
الوسيلة التي كان الحاقد ينتهجها دائما هي تشويه سمعة من يكرهه ، بينما يستطيع تلميعها ذلك المحب، وما بين السمعة الطيبة والخبيثة اختلافات نظر تتوزع بين المحبين والحاقدين، فالسمعة الطيبة الحسنة ليست بالأمر السهل الذي تستطيع أن تكسبه وإنما تستمدها من ما يراه فيك الآخرون في سلوكك وأخلاقك وتعاملك مع الناس ومواقفك البارزة التي تجعل منك رجلا ظاهرًا أمام الناس، ليس متخفيًا خلف الستار، فلن ينفعك تمثيلك وتصنعك بالرجولة ما دامت أفعالك وأقوالك تناقض واقعك المر الذي تعيشه، لذلك أخلاقك وتعاملك مع الناس في الواقع دون تصنع هي الصورة والسمعة التي ستكون شافعة لك في الكثير من أمور حياتك ، فالناس الغرباء سيسألون معارفك عن أخلاقك وسلوكياتك وسيكون الرد وفقًا ما كنت تُظهره للناس من خوافي صورتك أكانت حسنة أم سيئة فسيحكيها الناس الذين تعرفهم لغرباء السؤال هؤلاء.
ولكن ماذا لو كنت فعلًا رجلًا مستقيمًا فهل ستبالي للعقول المائلة التي تتحدث عنك بسوء؟
قد تجد هناك من يشوه صورتك الطيبة أمام الناس الغرباء ، متخفيًا بقناع كي لا يُكشف فيقول فيك مما ليس فيك وينكر عن ما فيك مما هو فيك، فهل يستطيع فعلًا تشويه سمعتك لمجرد أن قال قوله هذا؟ إنه يعتمد على السائل عنك، فالذي يسأل يجب أن يكون متأكدًا مما سمع فما تسمعه يظل ناقصًا حتى ولو كان صحيحًا؛ فعليك كسائل دومًا أن تتأكد وأن تسمع من الطرفين فهناك محب وهناك حاقد وما بينهما أنت. فأنت وحدك الذي يستطيع أن يكشف الحقيقة ، ربما كان الذي سألته محقًا وربما قد يكون عكس ذلك ، فأين ستكون أنت من كل هذا؟ ستكون الشخص الذي يأخذ الأخبار من مصادرها الصحيحة حتى ولو اضطرك الأمر أن تسأل الشخص المعني بالأمر فسوء الظن مهلكة ولائمة تسحقك لاحقًا وتؤنب ضميرك فلا تتلطخ بدماء الأبرياء بسوء ظنك دون وجه حق، سل وسل حتى تتبين لك الحقيقة.
يأخذني هذا العنوان إلى ما يدور بين العلاقات الثنائية سواء كانت صداقة أخوية أم شراكة زوجية، فنجد أن الصديق يعرف أسرار صديقه -أعني بالصديق هنا هو صديق العمر – في كل شيءٍ ممكن أن تتخيله؛ فالصديق الذي تعتمد عليه كثيرًا في حياتك يصبح مرتبطا بك ارتباطًا تامًا ويفهمك وتفهمه، يعرف أسرارك وتعرف أسراره ربما، وربما لم تكن مهتمًا لأن تعرف، فعلى العكس تمامًا من ذلك، صديقك هذا يهتم بأن يعرف ما في دواخلك وأعماقك من أسرار، وأنت بطبعك لن تكتم عنه ما يدور في خلدك فتشرح له كما لو أن المشهد يبدو حيًا أمامه. فمن غير دراية منك يصبح هذا السر يومًا طعنة في الظهر، فهل استطاع بذلك تشويه صورتك أمام العلن؟
وقد أقول بأن الأمر المشابه له أيضا يحدث بين الزوجين، فكلا الزوجان يفهمان بعضهما كثيرًا، فتصور بأن ما يجري في البيت والأسرة سيصبح أضحوكة يومًا بعد انفصالكما لسبب ما ، فالطلاق قد كُثر في الآونة الأخيرة، حيث وصل إلى 3 آلاف و887 حالة طلاق في السنة الماضية ، أنا لست هنا لأتكلم عن حالات الطلاق هذه ولا عن أسبابها ولا أظن بأن أحد منا هنا ينصب نفسه المسؤول عن ما يحدث من تزايد أعداد الحالات ، ولكن أنا هنا لأتكلم بأن أحد الزوجين أو كلاهما يحاولان أن ينبشا عن ماضٍ لا ناقة لهما فيه ولا جمل ، ويحاولان تشويه صورة الآخر، فأنا قرأت حادثة لرجل سعودي يقول فيها: أنه طلق زوجته بعدما اكتشف فيها ما لا يعجبه منها ، طلقها ثم ستر عليها ما رأه منها من عيب وخيانة زوجية، ولكن كلما أراد الزواج بامرأة أخرى يجد عقبة برفضه والسبب في ذلك أن الناس الذين يخطب منهم يسألون مطلقته فتشوه سمعته بأن تقول لهم أن طليقها كان يعاقر الخمر ويدخن ويفعل المنكرات ، فلِمَ ذلك؟ الرجل طلقك وستر عليك وأنتِ تفضحيه أمام الناس ببهتان وزور فتعطلين عليه سعادته! فلترحموا أنفسكم ولتتركوا ترهات الأطفال جانبًا وليذهب كلاً لحال سبيله؛ فالطلاق قد أنهى الرابطة وانتهى كل شيء يربطكما معًا لذا فليترك الجميع الحقد والضغينة وتلفيق الأكاذيب فإنها لن تصل لشيء يُراد سوى بجلب البلاء فيما بينكما.
ومع هذا فأنا أقول لك: لا أحد يستطيع أن يشوه سمعتك التي صنعتها سوى نفسك، أنت وحدك القادر على رفع نفسك وأنت من يقدر أيضًا على تسفيلها ،فقد قالها من قبل نبي الإسلام والمسلمين صلى الله عليه وسلم (وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)، فمهما حاول المغرضون تشويه سمعتك الطيبة فلن يشوهونها ومهما حاول المحبون تلميع صورتك القذرة وترقيعها فلن يستطيعون ذلك أبدًا؛ لأن ضميرك ونيتك هي من تحدد وتوضح صورتك الحقيقية مهما تصنعت ومثلت فستظهر حقيقتك يوما فما بين تشويه الصورة وتلميعها هي حقيقتك أنت.