2024
Adsense
مقالات صحفية

البداية لنهاية النجاح

عبدالله بن حمدان الفارسي

 

الرغبة في النجاح والشهرة أمران مشروعان لا اعتراض عليهما، وسلّم الاعتلاء متاح لمن يرغب التسلق والصعود عليه؛ للوصول إلى القمة ومبتغاها، طالما أن السبل لذلك شرعية، وبطبيعة الحال فإن الإنسان متى ما كُتب له النجاح ورافقت مسيرة نجاحه شهرة ونجومية فاقت توقعه، تبدأ بعدها رحلة أخرى أشق وأصعب من سابقتها، ألا وهي في كيفية فرض رقعة نجاحه وتأسيسها وتوسيعها، وخلق إمبراطورية سيطرة أو حكم سلطوي حسب ما لديه من متسع وتوسع سواء أكان مكانا أو نفوذا، هو نتيجة حتمية لذلك المشوار من النجاح، فمن الصعوبة بمكان أن تجد من حقق طفرة نجاح أو كتبت له الأقدار أن يكون من النخبة أو المتميزين، لا يبحث عن أناس يكونون أداة عون وسند له؛ لتحقيق المزيد من الربح والشهرة والمكانة الاجتماعية، ومن تتوفر فيه هذه الصفات، ويصل لهذه المكانة تبدأ معه رحلة أخرى بمؤشر آخر يفرضه عليه واقع الحال، وكذلك تفرضه عليه سيكولوجية الذات ودوافعها، خوفا من فقدان المكانة التي وصل إليها، أو طمعا في تحقيق المزيد من نجاحات أخرى، ومن هذا المنطق وما ترتب عليه من تقدم، تتحرك لديه كافة عوامل البيروقراطية إلا من رحم ربي، ظنا منه أن هذا النهج سيجعل منه شخصا محافظا على مكتسباته ومدخراته، وماسكا زمام الأمور، وتداعبه هواجس التوتر والريب، وبهذا السلوك البيروقراطي تبدأ الضغوطات النفسية تلعب دورها في حياته، وفي تعامله مع الآخرين وفي كيفية إدارة دفة أعماله، وتُخيّم على أفكاره ضبابية تكون سببا في فقدانه لسيطرته على نفسه، وعلى نمط حياته وأعماله، والتذبذب في التعامل مع من حوله، وهذا الشعور الغاضب الخفي وغير السوي في الإنسان، يتكون مع الناس الذين توهمهم أفكارهم السوداوية وغير السوية بأنهم خيار البشر على سطح الأرض، وأنهم النخبة لا سواهم، وينظرون لمن هم دون مستواهم الاجتماعي إلا نظرة ازدراء وتعالٍ، كذلك تتولد لديهم انفرادية اتخاذ القرار، وعدم الاستماع لوجهة الطرف الأخرى، وتتكرر على ألسنتهم ضمير المتكلم -أنا- وإن وصل المرء لهذا المستوى النرجسي، فمن المؤكد أن نهاية حكمه السلطوي اقتربت، فمنحنى الفشل تبدأ رايته تلوح في الأفق، إيحاءً بنهاية حقبة الازدهار، فلنحذر من طغيان النفس وجبروتها، والغرور وأنيابه، فكما هو معروف فإن الغرور مقبرة النجاح، لقد صادفت في حياتي ومن خلال تجارب شخصية، أو تجارب شخصيات مقربة مني، بأن نماذج سقطت وهوت في حفر النسيان والهلاك، ليس بسبب انعدام الكفاءة والمعرفة المهنية، وإنما بأسباب -أنا-ذات الطابع النرجسي. إن الحياة تحتاج منا تفهم قدراتنا النفسية والعقلية أولاً، والإمساك بزمام أمورها، قبل تمكننا من قدراتنا المهنية، القيادة كفاءة مطلقة في كافة متطلبات الحياة أو أغلبها، سواء أكان على المستوى الخاص أو العام، وفي نهاية المطاف لن يبقى سوى ما قدمته خيرا أو عكسه، فالتاريخ لا يرحم ومدوناته لا تتلف.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights