الغرور والظلم والاستقواء
الباحثة الإعلامية
نانسي نبيل فودة
كثير من البشر يغرهم أنفسهم إلى أن وصل بهم الحال إلى التكبر وإبراز استقوائهم على أشخاص ضعفاء ، يرسمون لأنفسهم أنهم بهذه الطريقة أفضل من غيرهم ، يجرؤون على الضعفاء بشتى الطرق سواء بالافتراء أو بالكذب أو المعاملة السيئة ، معتقدين في أنفسهم أن لا أحد يملك الدفاع وإيقافهم ورد اعتبار غيرهم ، وأن في هذه الأفعال عزة لهم نسوا الله بغرورهم وتكبرهم فأنساهم الله أنفسهم .
فالضعيف هو أقوى الناس بالله، فعلى الجميع أن يخشى سوء المنقلب، وأن يتحول الدهر عليه يومًا ما.
فالعزة ليست تكبراً أو تفاخراً وليست بغياً أو عدواناً وليست هضماً للحق أو ظلماً لإنسان، وإنما هي الحفاظ على الكرامة والصّيانة لمن يجب أن يصان، ولذلك لا تتعارض العزة مع الرحمة والمساعدة . فالإنسان القوي هو من يملك قول الحق و الخوف من الظلم ، ومساندة الغير على الخير ، بل لعل خير الناس هم من يكونوا خير الرحماء.
تصادفنا الأمثال والأمثال في مناحي حياتنا من نماذج الظلم و الاستقواء على الضعيف ، ومنها
أولا: الاستقواء والظلم اللفظي
وهو التلفظ بألفاظ مهينة والإحراج أمام الغير والتنمر المستمر للتقليل من شأنه ومكانته والتي تجعل الشخص الآخر في حزن وغضب كبير.
ثانيا :الاستقواء الاجتماعي الطبقي
وهو ممارسة الظلم على الفقراء من قبل المقتدرين من خلال امتناع الاشخاص المقتدرين من إعطاء الفقراء حقوقهم سواء ماديا أو معنويا والتقليل بشأنهم المستمر لإبراز قوتهم المادية والاستقواء على غيرهم مستغلين احتياجهم الشديد لتوفير متطلبات العيش.
ثالثا :الاستقواء الوظيفي
وهو ممارسة ظلم صاحب العمل للعاملين داخل الهيكل الوظيفي من خلال إهدار الترقيات ، والمرتبات ، وإصدار أعمال شاقة ومرهقة دون أدنى تقدير ، مستغلا في ذلك احتياجهم الوظيفي والمادي.
رابعا : الاستقواء بين الأصدقاء
وهو دفع الصديق لأصدقائه إلى ترك مصاحبة آخر وترك مصادقته وتلفيق الأقاويل والأكاذيب إليه لإلحاق الضرر النفسي له ، لإبراز قوته أمام صديقه في تأثيره على غيره في الإنصات والطاعة
خامسا : الاستقواء داخل الأسرة
وهو الظلم والاستقواء بين الأخوة من خلال فرض سيطرة أخ على غيره من أخواته من خلال الترهيب والأنانية واستخدام المشاحنات للإيقاع بينهم لتحقيق مصالح شخصية على حساب إخوته . وأيضا العقوق للوالدين وإلحاق الأذى بهم ، والاستيلاء على الميراث وغيره من أفعال الظلم بينهم.
سادسا : الاستقواء علي كبار السن والعجزة
وهو الظلم الذي يستخدم فيه الإنسان سلامة صحته وخلوه من الأمراض ، ليعامل غيره من كبار السن بدون أي شفقة أو رحمة ودون تقبل أي أعذار ، وهذا يكون استقواء مرتبط بخلو الجانب الأخلاقي والديني من خلال عدم مراعاة مشاعر الغير وامتلائه بغرور الصحة ونسيان أن المستقبل قريب وأنه في يوما ما سيسقى بما سقي غيره .
فمهما تعددت أنواع الظلم و سرد بعض جوانب من الأمثلة إلا أنها تتعدد وتختلف بأشكال أكثر وأكثر ربما تكتب بها كتب ومجلدات ، ولكن كل ما يسعني أن أقوله هو:
ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- قال: ( أتدرون ما المفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ فقال: إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ).