خلفان بن ناصر الرواحي
نعم، لا يدرك النعمة إلا من يفقدها، وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان، والذي لا بد من إدراكه لكل ذي لب أن شكر النعم التي تفضل بها علينا المنعم سبحانه وتعالى يجب أن نحافظ عليها بدوام الشكر لله، والمحافظة عليها بما يصونها ويساعد على ديمومتها، وتلمس احتياجات الناس وهمومهم التي تحيط بنا، ونقارن أنفسنا بمن هو أدنى منا وليس بمن هو أكثر منا نعمًا دون إدراك الحقيقة المخفية التي تسود في بعض الدول، ففي عصرنا هذا بوسائل الإعلام المختلفة المسيسة في الغالب، تغطي معهم على نقاط الضعف والقصور في دولهم دون التحقق من واقع الحال، وتظهر الصورة البراقة فقط، فيحكم الغالبية من الناس بما يرونه وينقل لهم بتلك الوسائل وعليه تتم المقارنة!
إن السفر خارج الوطن يكشف لك ما خفي وراء الستار، ويعلمك دروسًا تستلهم منها العبر ومراجعة النفس التي يمكن أن تقودك إلى ظلمات الوهم، وإلقاء اللائمة على وطنك الذي تعيش وتتفيأ تحت ظلال نعمه التي لا تجدها مع غيرك، وإن كان يقول بعضهم إنّ المقارنة في أغلب الأحوال غير صحيحة، وذلك من باب المقارنة في الثروات وعدد السكان، إلا أن واقع الحقيقة مر على بعضهم في كثير من الأحيان!
فعلى كل غيور وشاكرٌ للنعم أن يستلزم الشكر والعض على المنجزات بالنواجذ لكيلا تهدم ويغيب ظلها بواسطة أصحاب الغرائض الهدامة الجاحدة للنعم، والتي تصطاد في الماء العكر وتسعى جاهدة لتشتيت الشمل، وتنشر الفرقة والتباغض وعدم الأمن والاستقرار بين شرائح المجتمع في الوطن.
لقد رأيت في هذه الرحلة التي قضيتها في زنجبار العديد من المواقف التي يعيش عليها الغالبية من إخواننا المسلمين خاصة، وغيرهم ممن ينتمون إلى ديانات أخرى. ومن تلك الأمور عدم توفر المسكن الملائم، والملبس الذي يليق بالعيش الكريم، والمأكل الذي يسد رمق قوت يومهم، ووسائل النقل التي تمكن أبناءهم للوصول بين المدرسة ومقر سكناهم، وغيرها من النواقص التي نتمتع نحن بها في رغد العيش الكريم، غير مدركين تفقد احتياجات الناس وتلمسها الذين يحتاجون إلى المساعدة وهم حولنا على أقل تقدير.
نعم، إن غالبية من يعيشون على أرض وطننا سلطنة عمان ولله الحمد والمنة ينعمون بالخير إلا من قلة أنهكتهم الديون وبعض الظروف التي كان لها الأثر في تنغيص معيشتهم، ولدينا ولله الحمد مجتمع متعاضد يستطيع أن يقف معهم وبالتعاون مع الجهات الحكومية المعنية بهذا الأمر، فعلى كل صاحب نعمة أن يشكر الله عليها، ويتفكر كيف يعيش هو، وكيف يعيش غيره، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: (لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم)-[سورة إبراهيم: من الآية 7].
ولذلك كلّه وجب علينا شكر الله -تعالى- على الدوام، على نعمه التي لا تحصى ولا تعد، وعلينا كذلك أن ندرك أنّه مهما قمنا بشكر الله على نعمه فإنّ كرمه علينا أعظم من شكره وثنائه عليه؛ فنحن لا نستطيع إحصاء نعم الله من حولنا حتى نؤدّي شكرها كلّها، يقول الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)،[ سورة إبراهيم: آية 7]. وقال تعالى: (وَآتاكُم مِن كُلِّ ما سَأَلتُموهُ وَإِن تَعُدّوا نِعمَتَ اللَّهِ لا تُحصوها إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّارٌ)،[سورة إبراهيم: آية 34].
إنّ أقلّ ما يمكن أن يؤدّيه الإنسان تِجاه فيض النعم التي يتقلّب فيها ويتنعم بها أن يتعلّم كيف يشكر ربه -عزّ وجلّ- على فضله، بحيث لا يكفر نعمته، ويكون ذلك بتحقيق ثلاثة أركان؛ هي: شكر القلب، وشكر اللسان، وشكر الجوارح.