السياحة والدين (1) دراسة بحثية مختصرة
محمد علي البدوي
َمقدمة تميهيدية
السياحة في لسان العرب هي مصدر (ساح يسيح سيحا) أي إذا جرى على الأرض، وهي الذهاب في الأرض لأغراض مختلفة.
وقد جاءت في القرآن الكريم في عدة مواضع كقول الحق سبحانه وتعالى {فَسِيحُواْ فِى ٱلْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍۢ}- [من آية 2: سورة التوبة]، وقوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)}- [من سورة التوبة].
وقد رأى معظم المفسرين بأن معنى الكلمة في الآية هم الصائمون، وقال آخرون المعنى هنا مقصود به السفر في طلب العلم.
وقد عرف العرب السياحة منذ قديم الزمان ولكن بإسم السفر أو السير في الأرض، وكان المسلمون الأوائل يجوبون الآفاق طلبًا للعلم، أو الجهاد، أو نشر الدين وتعاليمه.
يقول الشاعر:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفرج هم، واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
أما المجمع اللغوي فقد عرف السياحة لغويًا على أنها التنقل من بلد إلى بلد طلبًا للتنزه أو الاستطلاع أو الاكتشاف. وهذا التعريف قريب جدًا من المفهوم العالمي للسياحة الذي أقرته منظمة السياحة العالمية.
وللسياحة أغراض مختلفة منها :
١- أغراض سياسية:
وهدفها تنمية العلاقات السياسية بين الدول، كما تعد عملية دعائية غير مباشرة للدولة عن طريق ما يحصل عليه الزائر من خدمات متنوعة.
٢- أغراض إقتصادية:
لاشك أن السياحة أصبحت مصدر دخل هام جدًا للعديد من الدول، بل المصدر الأساسي للدخل لبعض الدول الفقيرة إقتصاديا.
٣- أغراض ترفيهية:
وهو الغرض الأساسي بالنسبة للزائر الذي يبحث عن المتعة والسعادة بعد شهور عمل مضنية فيخرج من كوابح العمل والروتين، ويمارس خلال هذه المدة ما يحلو له، ويبحث عن ما يلبي رغباته من مأكل ومشرب، ويحاول الهروب من كل القيود التي كانت تقيده أثناء فترة العمل.
لاشك أن أهم أهداف السياحة هو كونها وسيلة لاندماج الشعوب والأفراد، وإزالة الحواجز بين الثقافات؛ مما يساهم في التقريب بين شعوب العالم المختلفة، فتزول الأفكار السلبية وتظهر قوة التواصل القادرة على محاربة الفقر والجهل والجوع.
ولكي تنجح منظومة السياحة في بلد ما لا بد من توفر عدة خصائص وعناصر-بدونها- مجتمعة أو متفرقة لن تنهض الصناعة، وهي:
١- خصائص جغرافية مكانية:
لا بد أن يكون للمكان الذي تنوي الدولة تسويقه كمنتج سياحي خصائص جغرافية مميزة تجعل صاحب القرار(السائح) راغبًا في زيارة هذه البقعة لما يميزها من خصائص مكانية تميزها عن غيرها، مثل الخصائص التي تتمتع بها كلا من مكة والمدينة المنورة، أو مدن ساحلية أخرى مثل شرم الشيخ أو صلالة أو الريفييرا أو المالديف…. الخ.
٢- خصائص إجتماعية:
يفهم منها عادات وتقاليد الشعوب وحسن الإستقبال، وحب خدمة الضيوف وتقبل الآخر بقلوب صادقة، إضافة إلى أهمية إيمان المضيف بأهمية السياحة بالنسبة له ولدولته.
٣- خصائص دستورية:
بحيث تكون نصوص القوانين والتشريعات محفزة للسياحة والاستثمار فيها، كما ينبغي أن تكون هذه القوانين صارمة في الحفاظ على حقوق السائح وعلى أمنه وحياته وممتلكاته، وأن يشعر ويعرف السائحين بذلك؛ حتى تزول أية أفكار سلبية مسبقة عن حماية الدولة المضيفة لحقوق السائحين.
٤- خصائص تعليمية:
وهي تتعلق بنوع الدراسة السياحية التي تقدمها الدول المضيفة لأبناءها، ومدى تقدم هذا التعليم وتطوره؛ بحيث يساهم في عدة نقاط، منها تقديم عمالة مدربة ماهرة تستطيع تلبية رغبات العملاء، ومنها تصدير صورة إيجابية عن مهارات العاملين بالقطاع، ومن ثم إيجاد سبل لتبادل الخبرات ونظم التعليم.
لا بد أن نعي أنه لا يوجد في الإسلام ما يسمى بالسياحة الدينية، وأن نؤكد على أن الإسلام لا يتخذ أية مواقف سلبية تجاه السياحة بشكل عام، فالإسلام يشجع السياحة ويحث عليها مع وجود عدة ضوابط وشروط من السهل تطبيقها للحفاظ على حياة الناس وأخلاقهم وأديانهم.
وقد يذهب بعض المتشددين أنه لا يجوز إطلاق لفظ السياحة على الحج والعمرة، وهذا رأي له مؤيدين ولكن الأهم من هذه التحليلات هو عدم الوقوع في فخ الخلاف حول المسميات، وأن نقرر ونؤكد عدم رفض ديننا الحنيف للسياحة على أي أساس، سواء ديني أو لغوي أو ثقافي، فرسالة الإسلام جاءت عامة للناس أجمعين.
حفظ الله شعوبنا العربية