راشد بن حميد الجهوري
تحكى قصة في التراث الشعبي أن أحد الآباء كبير في السن أراد أن يعطى أبناءه درسا في معنى الصداقة الحقيقية؛ فالأبناء يفتخرون بأصدقائهم كثيرا، ويقضون معهم فترات طويلة، فقام الأب في ليلة ظلماء بذبح خروف وتكفينه بالقماش الأبيض، ثم أيقظ أبناءه ليخبرهم أنه ارتكب جريمة قتل بالخطأ، وطلب منهم أن يستدعوا أصدقاءهم ليقفوا معهم في هذه الكارثة بما يستطيعون من مال أو شفاعة عند أهل المقتول، فحضر الأصدقاء لكنهم تبرأوا من الصداقة، وقالوا: (هذه فعلتكم وتحملوا تبعتها بأنفسكم)، وعند ذلك طلب الأب من أحد الأبناء أن يذهب إلى القرية المجاورة، ويستدعي صديق له، وفعلا حضر صديق الأب، وعندما سمع القصة قال: (رقبتي دون رقبتك إن كان القصاص، ومالي فداك إن كانت الدية)، فتحول الأب بنظره إلى أبنائه الذين حضروا المشهد، ولسان حاله: هل علمتم معنى الصداقة، وما هي معايير الصداقة الحقيقية؟!
إن القصة السابقة بما تحمله من دلالات ومعاني في زمن لم يعرف وسائل التواصل المعاصرة، ولم يعرف الحسابات المجهولة والوهمية، تنقل إلينا رسالة واضحة وصريحة مفادها: (احذروا الصداقات الافتراضية، واحذروا من الأصدقاء المجهولين)، يضاف إلى ذلك ما يجب أن يتحمله الأباء من مسؤولية توجيه الأبناء في هذا الطوفان الجارف من الفتن والابتزازات الإلكترونية والانحلال الخلقي، ومع التوجيه لابد من اختيار الأسلوب الأنسب في الرعاية والمتابعة، ويلزم أيضا رفع الوعي بخطورة التواصل مع أفراد مجهولين، وهي خطوة هامة في سبيل التخلص من السذاجة المهلكة الحاصلة بالثقة بكل أحد.
يمثل البحث في أسباب الصداقة مع مجهولين في عالم التواصل سبيلا للوقاية من الوقوع فيها، ومن أبرزها: سعي كل جنس بالتعرف على أفراد من الجنس الآخر، وكذلك ما تحدثه هذه الصداقة من إثارة، ويضاف إلى ذلك الملل والفراغ والضغوطات النفسية؛ فهي تعتبر متنفس وهمي براق في هذه الحالات، ومن أخطر الأسباب البحث عن الحب والرعاية العاطفية في هذا السوق الإفتراضي.
وبعد: فالمنتظر من كل مؤسسات المجتمع العامة والخاصة أن تتكاتف في معالجة هذه القضية الشائكة، وأول هذه العلاجات التنبيه على الجانب الديني المتمثل في الوازع الإيماني، وإحياء ضمير الرقابة الذاتية؛ حتى لا يكون مجرد طلاء على جدار المسؤولية.
