عمالة الأطفال
عصام بن راشد المغيزوي
خصت جميع الديانات مرحلة الطفولة بعناية فائقة لم تمنح لأي مرحلة أخرى في حياة الإنسان؛ نظرًا لما تلعبه هذه المرحلة من أهمية عظيمة في بناء شخصيته المستقبلية، فخلال هذه المرحلة يبدأ الفرد باكتساب مجموعة من الصفات سواء أكانت إيجابية أم سلبية، ويكون ذلك تبعًا للتربية والاهتمام اللذين يلاقيهما من أبويه، كما أن البيئة المحيطة به عادة ما تؤثر في سلوكياته المستقبلية، فالخطوات الأولى هي أهم مرحلة في طريق صنع درب المستقبل، وأمنيات الطفولة قد تصبح حقيقة الغد؛
نظرًا لأهمية هذه المرحلة في حياة الفرد فقد أقر ديننا الحنيف مجموعة من الحقوق والواجبات التي لا يمكن إهمالها، فقبل أن تشرع قوانين حقوق الطفل من قبل الأمم البشرية، كان الإسلام قد صنع أفضل منظومة لحماية الطفل وحفظ حقوقه، فدستور الطفل الذي جاء به ديننا الكريم، كان أكثر شمولية وتقدمًا على ما جاء من بعده. فبدأ اهتمام الإسلام بالطفل من لحظة زواج والديه؛ فقد اشترط الإسلام صلاح والدته كشرط لإتمام الزواج؛ ليضمن للطفل حصوله على التربية الصالحة حتى قبل ولادته، كما أن ديننا الحنيف صان حق الطفل في الحياة وهو في بطن أمه؛ فحرم إجهاضه، وأجاز لوالدته الفطر في رمضان إذا كان الصيام سيؤثر سلبًا في صحة طفلها.
فالأطفال هم زينة هذه الحياة، وبهجة أيامها، وسعادة نفوسها، وأمل غدها، وتمتد مرحلة الطفولة من لحظة ولادة الطفل إلى لحظة بلوغه سن الرشد.
وتنوعت الحقوق التي كفلتها تشريعات ديننا الحنيف، ولعل صلاح الزوجين هو أول حق كفله ديننا الحنيف للطفل، إلا أن قائمة الحقوق تطول لتشمل كل مراحله العمرية؛ وذلك لتشكيل أفراد قادرين على بناء أمتهم والرقي بها إلى مصاف الأمم المتقدمة.
فمن الحقوق التي كفلها ديننا للطفل، حق التعليم والتثقيف، فقد وضع الإسلام حق التعليم كحق رئيس؛ فأوصى الوالدين بتعليم أبنائهم كل ما قد يفيدهم من العلوم الدينية والدنيوية. كما حرص الإسلام على أن يحصل الطفل على حقه من النفقة؛ فأمر ولي الأمر بالإنفاق على أبنائه، وتشمل جوانب الإنفاق عدة جوانب في حياة الطفل، كالمأكل والمشرب والتعليم والملبس وغيرها.
إن من أجلّ الحقوق التي منحتها شريعتنا السمحة للطفل حق اللعب المباح، فهو من أبرز ما منحته الشريعة السمحاء للطفل؛ حيث تحث التربية الإسلامية على أن يداعب الوالدان أطفالهم، كما أعطانا النبي – صلى الله عليه وسلم- دروسًا قيمة في أهمية تقدير الأطفال، فيروى أنه – صلوات الله وسلامه عليه- أوُتِي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعلى يساره الأشياخ فقال للغلام:” أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟” فقال الغلام: لا والله يا رسول الله، لا أوثر بنصيبي منك أحدًا، فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده (1).
ومن أروع المواقف الداعية للرفق ومحبة الأطفال التي خطتها السيرة النبوية الطاهرة ذلك الموقف الذي سطره الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم- مع حفيده الحسن بن علي. فيذكر أن رجلاً رأى النبي – صلى الله عليه وسلم- كان يُقبل الحسن، فلما رآه الأقرع بن حابس التميمي ذات مرةٍ يفعل ذلك، تعجب من فعله، وأخبره أن له عشرة أولاد لا يقبل أحدًا منهم، فما كان من المصطفى – صلوات الله وسلامه عليه- إلا أن أجابه:” من لا يَرحم لا يُرحم”(2).
في وقتنا الحاضر، طفت على السطح ظاهرة عمالة الأطفال، ويُعد التعامل مع هذه الظاهرة أمرًا في غاية التعقيد؛ لكونها -غالبًا- ما تكون نابعةً من ثقافة المجتمع وتقاليده، أو الظروف الاقتصادية التي تعصف بالدول.
تُعرف ظاهرة عمالة الأطفال بأنها: ممارسة عمل أو مجموعة من الأعمال التي تؤثر في النمو الجسدي أو العقلي أو كليهما، وتحرم الطفل من الاستمتاع بمرحلة طفولته، وتمنعه من إظهار إمكانياته. ومن هنا سعت العديد من الاتفاقيات الدولية والمنظمات العالمية لحفظ حقوق الطفل، ومن هذه الاتفاقيات: اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي تم الاتفاق عليها في عام ألف وتسعمائة وتسعةٍ وثمانين من قبل زعماء العالم، فقد حددت هذه الاتفاقية سن الثامنة عشر كأقل سن لمباشرة العمل (3). كما تمحورت هذه الاتفاقية حول أربعة مبادئ رئيسة وهي: منح حرية التعبير للطفل، حق الطفل في البقاء والحياة والتطور، حق الطفل في نيل الاحترام، حق الطفل في التمتع باثنين وأربعين حقًا تم إدراجها في بنود الاتفاقية (4).
تتعدد الأسباب التي قد تدفع الأطفال للعمل، ومن أبرز هذه الأسباب، الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي تمر بها الأسرة أو المجتمع؛ حيث إن افتقار الأسرة لمصدر دخل يعينها على توفير متطلبات الحياة الأساسية، أو تراكم الديون، أو انفصال الزوجين عن بعضهما بعضا، كل ذلك يعد أمورا تؤدي إلى انتشار هذه الأفة. كما أن انتشار الأمية والفقر في مجتمع ما أمر قد يؤدي إلى توسع رقعة هذه المشكلة، من الأسباب التي قد تؤدي إلى نشوء هذه الظاهرة، انتشار البطالة بين فئة البالغين في المجتمع؛ مما يجعل الاعتماد على فئة الأطفال في توفير لقمة العيش أكبر. إضافة إلى ما سبق، فإن غياب الوعي المجتمعي بالآثار السلبية التي تخلفها هذه الظاهرة، أمر يسهم في تفشيها.
وأخيرًا تسهم الكوارث الطبيعية والحروب التي تتعرض لها بعض المناطق في زيادة عدد الأطفال العاملين؛ حيث إن النزاعات والكوارث تصيب المجتمعات بالفقر؛ مما يؤدي للجوء بعض الأسر للدفع بأطفالها إلى سوق العمل.
وقد بلغ عدد الأطفال العمانيين الأقل من ثمانية عشر عامًا في سلطنة عمان وفقًا للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، مليونًا و185 ألفًا و59 طفلًا في عام 2020م، مشكلين ما نسبته 43 بالمائة من إجمالي عدد السكان (5)، ويتألف المجتمع العماني في غالبيته من فئة الأطفال، ولحماية هذه الفئة من المخاطر المتعددة التي قد تتعرض لها؛ فقد أُصدر قانون الطفل العماني؛ حيث يضمن هذا القانون حصول الطفل العماني على حقوقه الصحية والتعليمية وغيرها من الحقوق بالمجان، كما أنه يقوم بحماية هذه الفئة من كل السلوكيات التي قد تشكل خطرًا على صحتهم الجسدية والنفسية. سعيًا لحماية الطفل العماني من التعرض لهذه الظاهرة فقد نصت المادة (45) من الفصل السابع في قانون الطفل العماني” يحظر تشغيل أي طفل في الأعمال، أو الصناعات التي يرجح أن تؤدي بطبيعتها، أو بفعل الظروف التي تزاول فيها إلى الإضرار بصحته، أو سلامته، أو سلوكه الأخلاقي، وتحدد تلك الأعمال والصناعات بقرار من وزير القوى العاملة بعد التنسيق مع الجهات المعنية (6).
إن غياب الإحصائيات حول عدد الأطفال العاملين في سلطنة عمان، أعطى لهذه الظاهرة صورة ضبابية يصعب معها تحديد مدى توغلها في المجتمع العماني، ويتطلب القضاء على هذه المشكلة وجود إحصائية دقيقة حول عدد الأطفال العاملين، كما ينبغي على الحكومة أن تربط بين سوء الحالة الاقتصادية للمجتمع وعمالة الأطفال؛ وعليه تقع مسؤولية عظيمة على الوسط الإعلامي والأسرة؛ حيث إن توعية المجتمع بالآثار السلبية التي تخلفها عمالة الأطفال تقع على عاتق البيئة الإعلامية والوالدين. دمتم ودام أطفال عُمان بخير وسعادة.
____________________
(1) أخرجه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب إذا أذن له أو أحله.
(2) أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته – صلى الله عليه وسلم- الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك.
(3) اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأطفال.
(4) اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأطفال.
(5) المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
(6) قانون الطفل العماني.