تحتفل صحيفة النبأ الإلكترونية بالسنة السادسة لتأسيسها
Adsense
مقالات صحفية

العنف ضد المرأة، الأسباب والحلول

عصام بن راشد المغيزوي

تتعدد أشكال ومفاهيم العنف في المجتمع، والعنف قد تتبناه جهة معينة اتجاه فرد أو مؤسسة أو فرد اتجاه فرد وغيرها. يلعب العنف دورًا بارزًا في دمار منظومة الأخلاق في المجتمع، كما أنه يؤدي إلى انتشار الكراهية، وارتفاع نسبة الجريمة. ولإيمان رسالة الإسلام العظيمة بأهمية وأد جميع أشكال العنف لما له من آثار سلبية على الأفراد والمجتمع؛ فقد عمدت تعليماتها لإعطاء كل فرد في المجتمع مجموعة من الحقوق والواجبات.

لقد حظيت المرأة بمنزلة عظيمة في الإسلام لم تمنح لها من قبل في أي ديانة أخرى أو في تاريخ البشرية، وكفلت لها من الحقوق ما لم تعطها لها أي عقيدة أخرى عبر التاريخ.

إن من تمام عظمة ديننا الحنيف، أنه جاء متوازنًا وشاملًا، فلم تمل كفته لجانب على حساب الآخر، بل أنه سعى من خلال سماحة تعاليمه لمنح كل عنصر ما يناسبه من حقوق وواجبات، فشملت تكاليفه الغني والفقير، والرجل والمرأة، والطفل والكبير.

فديننا الحنيف جاء مكرمًا لشأن المرأة، حافظًا لحقوقها منذ نعومة أظافرها، فالنساء في الإسلام شقائق الرجال. فمنذ طفولتها حفظ الإسلام حق المرأة في الرضاع، وأمر أبويها برعايتها وحسن تربيتها، وعند زواجها صان الإسلام حقوقها بعقد شرعي يلزم زوجها بالإحسان إليها وإكرامها، وعندما تصبح أمًا، جعل الله سبحانه وتعالى عقوقها من أكبر الكبائر؛ فأمر بوصلها والإحسان إليها، يقول المولى عز وجل:{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}-(سورة لقمان آية: 14)، ومن مناظر تكريم الإسلام للمرأة إعطاءها الحق في التعلم والتعليم، والحق في البيع والشراء، كما حفظ الإسلام المرأة من سموم الألسنة والأيدي التي تحاول أن تمتد إليها، فأمرها بعدم الاختلاط بالرجال، ولبس الحجاب، كما كفل ديننا الكريم للمرأة حق الخلاع من زوجها، إن ظلمها أو عنفها.

من أعظم مظاهر تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة، هو تخصيص يوم لهن لتعليمهن تعاليم الدين، كما أنه صلوات الله وسلامه عليه أوصى في خطبة الوداع أمته بالإحسان للنساء فقال صلى الله عليه وسلم:” استوصُوا بالنساء خيرًا” (1). كما أن النبي الأكرم أوضح تحمل المرأة مسؤولية عظيمة في تربية ونشأة أبنائها، فقال المصطفى صوات الله وسلامه عليه:” كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ عليهم وهو مسؤول عنهم، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعيةُ على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم وعبدُ الرجل راعٍ على بيت سيده وهو مسؤول عنه ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”(2). لقد اعتنت العقيدة الإسلامية بجميع تفاصيل حياة المرأة وذلك لكونها أحد ركائز المجتمع الأساسية، ورافدًا أساسيًا من روافد تطوير الأمة.

في عصرنا الحالي انتشرت ظاهرة تعنيف النساء حول العالم من قبل بعض الأفراد أو بعض الجماعات المتطرفة. إن أساس هذا السلوك العنيف هو التعصب والتحيز لجنس معين على حساب الآخر. كما أن تهديد النساء أو حرمانها من أي حق من حقوقها هو صورة من صور انتهاك حقوق الانسان، فعدم وجود مستوى الأمان الذي يضمن للمرأة القيام بواجباتها المختلفة سيؤثر على المرأة؛ وبالتالي سيؤثر على الأفراد والمجتمع. فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن واحدة من كل ثلاث نساء في العالم، أي ما يقرب 736 مليون امرأة يتعرضن لمختلف أشكال العنف في حياتهن.

إن انتشار هذه الظاهرة عند جنس معين يقودنا إلى التفكير في العلاقات الغير متكافئة التي ميزت جنس معين على الآخر عبر التاريخ، وفي الجماعات والأحزاب التي تُميز بقوانينها وتشريعاتها الرجال على النساء.

غالبًا ما تتعرض المرأة للاضطهاد من أقرب الناس إليها كالزوج أو الأخ أو الأب، وكثيرًا ما ترتبط أسباب العنف ضدها بالتطورات الأسرية والمجتمعية التي تعرض لها المعتدي، كما أن بعض الأسباب ترتبط بالعنف بمرحلة الطفولة التي عاشها المعتدي، أو تلذذ المعتدي بارتكاب فعل العنف. فمن الأسباب التي قد تدفع الرجل لممارسة العنف ضد المرأة هو نشأته في محيط به عنف أسري واضح ضد المرأة، ومشاهدته لهذا العنف منذ الصغر، كما أن التعرض للتعنيف من قبل المجتمع منذ الصغر قد يولد عند المعتدي رغبة بالانتقام من المجتمع، مما يجعله ينصب بغضبه على شريكة حياته، ويعد تعاطي المخدرات والكحول من أبرز مسببات العنف ضد المرأة؛ حيث يخسر الشخص قدرته على التفكير بطريقة سليمة. إضافة إلى ما سبق، يعد التمييز المجتمعي سببًا رئيسًا في حدوث هذه الظاهرة، فإعطاء الرجال منزلة أعلى في المجتمع دون النساء، يولد شعورًا من الدونية لدى النساء، ومن الأشكال التي تتبعها بعض المجتمعات للتفريق بين الجنسين هو ذلك الشكل الذي يسمح للرجال فقط بالحصول على بعض الوظائف.

في سلطنة عمان واستنادًا لإحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فإن نسبة عدد الإناث في السلطنة تبلغ 39 بالمئة من إجمالي عدد السكان مع نهاية عام 2021م، أي ما يقارب 1,766,292 أنثى (3). إن تتبع مدى انتشار هذه الظاهرة في سلطنة عمان إحصائيًا أمر في غاية الصعوبة كما في بقية الدول العربية، فغالبًا ما تغلف هذه بالصمت المطبق والإنكار. ويرجع السبب الأساسي في صعوبة تحديد عدد الحالات إلى عدم وجود دراسات أو نظام لرصد عدد حالات العنف. كما أن البلاغات تقتصر في العادة على حالات العنف الشديدة. ومن جهة أخرى فإن التهديد الذي تتعرض له المرأة في حالة إبلاغها عن العنف يساهم في عدم وجود أرقام واضحة حول هذه القضية.

لقد قامت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا بدراسة حول انتشار هذه الظاهرة في المجتمع العماني، وذلك بأخذ عينة من المجتمع العماني، ووفقًا للإحصائيات التي تحصلت عليها اللجنة فإن 41 بالمائة أكدن على وجود عنف ضد المرأة، واحتل الأزواج المرتبة الأولى في سلم المعتدين، كما أكدت معظم النساء أن العنف النفسي هو أكثر أنواع العنف انتشارًا، وأظهرت الإحصائية أن 74 بالمائة من النساء التي تعرضن للعنف لم يقمن بإبلاغ الجهات الأمنية (4).

سعت السلطنة في دستورها إلى المساواة بين الجنسين، ونبذ العنف بينهما، فالمادة الثانية عشرة من المبادئ الاجتماعية تنص على أن: ” العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العمانيين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة” (5). كما أن المادة السابعة عشرة من باب الحقوق والواجبات تنص على أن ” المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي” (6). وبالرغم من التشريعات الرائعة التي يحتويها الدستور العماني والتي تسعى لإيجاد التكافؤ بين الجنسين إلا أن غياب القوانين التي تجرم فعل العنف ضد النساء بشكل خاص أضفى لونًا من الشرعية عند بعض الأشخاص، ومن هنا تتأتى أهمية وجود تشريع يخص هذه القضية.

إن القضاء على هذه الظاهرة سيمر عبر تمكين المرأة في المجتمع؛ وذلك عبر السماح لها بالحصول على جميع الحقوق الاجتماعية والتعليمية والأسرية التي كفلها لها ديننا الحنيف، كما أن استغلال البيئة الإعلامية لتوعية المجتمع حول أهمية دور النساء في تطوير المجتمع؛ وذلك عن طريق سرد قصص النساء اللاتي استطعن أن يحدثن فارقًا في تطور مجتمعاتهن سيعمل على القضاء على هذه المشكلة، يضاف إلى ذلك ضرورة الإبلاغ عن أي شكل من أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة.

دمتم ودامت عمان عظيمة برجالها ونسائها.

____________________
(1) خطبة الوداع.
(2) صحيح البخاري.
(3) المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
(4) اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا.
(5) الدستور العماني.
(6) الدستور العماني.

لغات أخرى – Translate

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights