لا تبيع خبزك على خباز “والعيار له يوم”
حمدان بن سعيد العلوي
مدرب في الإعلام والعلاقات العامة
دائما وأبدا من نتعامل معهم في حياتنا اليومية هم بشر مثلنا تماما، هذا التعامل مع البشر سيستمر حتى نهاية حياتنا، وكلما تعاملنا مع غيرنا نجدد اكتشافاتنا لشخصياتهم، فمنهم الصادق وغير الصادق، والمؤتمن والاستغلالي… الخ، تكسبنا الحياة خبرات، وكل منا حسب إدراكه مع الاختلاف في المستويات الثقافية والفكرية.
يظن البعض أنه بلغ ما بلغ من الذكاء، وأنه قادر على التصرف في مختلف الظروف، ومن خلال العنوان يتبين لنا أن بعضهم حالهم كحال من يبيع الخبز على الخباز، يظنون أنهم أذكياء للغاية، والذكي دائما من لا يظهر ذكاءه وفطنته إلا في المواقف التي تتطلب ذلك.
منهم من يحقق رغباته باستخدام الحيل، ويظن بأنه قادر على الخداع في كل مرة، نؤكد لهؤلاء الأشخاص أن حبل الكذب وإن طال سينقطع، وستبين خباياهم وسلوكياتهم.
الغش نهى عنه ديننا الحنيف حيث قال المصطفى في حديث رواه أبو هريرة: “…مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي” أخرجه مسلم، والغش أنواع، وأركز في هذا المقال على من يقوم بالتلوّن واختلاق الأعذار، وصناعة سيناريوهات الكذب في كل مرة.
حدث لي موقف ذات مرة بأن طلب مني شخص -أحسبه أخا عزيزا- طلبا، وعلى الفور قمت بتلبية طلبه، ومع الوقت عاد بطلب آخر وتكرر ذلك مرات عدة، رغم معرفتي بتفاصيل أعذاره إلا أنني لم أبيّن ذلك، ولكن للأسف عاش الوهم وصدَّقه بنفسه.
هنا ينطبق المثل: “لا تبيع خبزك على خباز” والمعنى: أنني تعلمت منه ذلك الأسلوب، وأدركت تماما ما يفعله من أجل الحصول على مبتغاه، وفي كل مرة يأتي فيها يتحدث عن تلك الظروف، وأنا أمثل عليه تصديق ذلك حتى أتى يوم من الأيام وقمت بمصارحته، لم يعجبه الأمر، واتهمني بالشك وسوء الظن، فغضب مني وذهب في حال سبيله، لم يكتفِ بذلك، بل قام بمهاجمتي وتشويه صورتي بين الأصدقاء والزملاء.
البعض هداهم الله لا يحسبون حسابا للمستقبل، وأن الحاجة ستردهم في يوم ما، لا يعرفون إلا من يساعدهم لتحقيق ما يرجون، وإن لم نساعدهم رفضونا وهربوا.
دائما ما يبحثون عن البيئة الخصبة، يقصدون من يصدقهم بطيبته وعفويته، ولكن متى ما يدركون أن أمرهم قد انكشف لا يكتفون بالرحيل بل يشوهون الغير، ويتخذون موقفا عدائيا تجاه من أحسن إليهم، وينسون الفضل وأصحاب الجميل.
وهنا أوجه نصيحة لمن يظنون أننا لا نعرف خباياهم، بأنكم واضحون وضوح الشمس، لا تحتاجون إلى تفسير وتحليل، فأحسنوا لمن أحسن إليكم، وكفى استغلال، فالأعذار لن تدوم طويلا، سيأتي يوم وتنكشف، وتصبحون كالكتاب المفتوح أمام الجميع.
المواقف تعلمنا، والأيام كفيلة لتتضح الصورة، وتتبين حقيقة كل شخص نتعامل معه بحسن نية، فما أجمل من الوضوح والصدق دون التواء أو “لف ودوران”.
بعض البشر لهم القدرة على تحليل السلوك والإدراك، فليس كل من تتعاملون معه تستطيعون خداعه، وإن كان ذا بال طويل وقلب طيب.
إن كان الإنسان حسن الخلق يساهم في خدمة غيره فلا تستغلوا ذلك، ودوام الحال من المحال، والاستغفال صفة سيئة، والغافل سيأتي يوم ويكون مدركا لكل تفاصيل من حوله.
هناك من يستحقون الوقوف بجانبهم بحسن أخلاقهم ونواياهم الحسنة، ولكن للأسف توجد فئة كبيرة لا تعترف إلا بالأخذ، ولا يوجد للعطاء باب مفتوح لهم، فهم يغلقون أبواب العطاء، وتتملكهم الأنانية العمياء.
وهذه رسالة لكل مستغفل يبيع خبزه على خباز، تشبّع من خبرات الحياة وطرق التعامل مع البشر على مختلف مستوياتهم العقلية، والتعليمية، والعمرية، “والعيار له يوم”.