الطلاق، ألم وأمل
عصام بن راشد المغيزوي
تُمثل الأسرة اللبنة الأولى للمجتمعات والأساس الذي تعتمد عليه الأمم لبناء نهضتها، فالعقد الشرعي الذي يربط الزوج بزوجته هو عقد يؤمل منه إضافة لبنة أخرى تزيد من تماسك المجتمع وقوته، ولكن ماذا لو تحول الأمل إلى ألم وتحول فرح الزواج إلى حزن طلاق؟ حينها قد يصبح حلم بناء مجتمع متماسك مجرد وهم، ويصبح التفكك العنوان الرئيس لذلك المجتمع.
يُمكن اعتبار معضلة الانفصال بين الزوجين على أنها من أكثر المشكلات التي تؤرق المجتمعات؛ لما لها من آثار سلبية قد يتطلب التخلص منها وقتًا طويلاً. فحياة الأسرة تتأثر من عدة جوانب بعد الطلاق سواء أكانت من الناحية الاقتصادية أو النفسية أو الاجتماعية، وقد تبقى آثارها المدمرة لمدة طويلة قبل أن تمحى. يضاف إلى ذلك تأثر مجموعة من الأطراف بهذه الآفة، فهناك المجتمع من جهة، والطليقان وأبناؤهم من جهة أخرى.
إن التغاضي عن مشكلة الطلاق وعدم تسليط الضوء عليها من قبل وسائل الإعلام أمر يساهم في تفاقم هذه المشكلة. ومما سبق يمكننا تصنيف معضلة الطلاق على إنها مشكلة إنسانية واجتماعية في ذات الوقت، فهي ظاهرة إنسانية كونها لا ترتبط بدولة معينة أو منطقة جغرافية محددة بل هي ظاهرة تحدث في جميع الأمم على اختلاف دياناتهم وأزمانهم ودولهم، وهي ظاهرة اجتماعية كونها تؤثر على أهم ركيزة في المجتمع وهي الأسرة وكونها تؤثر في حياة الطليقين وعملية تنشئة الأبناء وتثقيفهم وتربيتهم.
يمكننا تعريف الطلاق بأنه: عملية إنهاء العلاقة الشرعية بين الزوجين، وتختلف طريقة إنهاء هذه العلاقة باختلاف الديانة المتبعة من قبل الزوجين، ويتم الطلاق بناءً على رغبة الطرفين أو رغبة أحدهما في الانفصال، فالطلاق هو مخرج لكل من تقطعت به السبل في إيجاد بيئة زوجية ملائمة، وهو كما قيل أبغض الحلال عند الله سبحانه الطلاق. إن الطلاق هو آخر الحلول التي قد يلجأ لها الزوجان ولا يمكن الاستهانة به فقد حذر المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام كل من أراد أن يتخذ الطلاق بعبثية. يقول حبيبنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه:” ثلاث هزلهن جد وجدهن هزل، الطلاق والنكاح والرجعة” أخرجه أبو داؤود من حديث أبي هريرة (1).
للطلاق أسباب كثيرة فمنها ما يرتبط بالفروقات المادية، ومنها ما يتعلق بالحالة الاجتماعية، وأخرى تتعلق بالتباين في المستوى الثقافي بين الزوجين، وفي مقالي هذا سأحاول أن أجمل الأسباب الرئيسة التي قد تؤدي إلى نشوء هذه المشكلة.
لا يمكن نكران أن الفروقات الشخصية التي توجد بين الزوجين تعد من أهم العوامل التي قد تؤدي إلى حدوث عملية الانفصال، فالاختلاف في عملية التفكير والقدرات النفسية، كالتحكم في المزاج أمر قد يحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق فيقع حينها الطلاق. كما أن التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي قد تصيب الأسرة تعد عاملاً حاسماً في حدوث عملية الطلاق؛ لكون هذه التغييرات تعمل على نقل المجتمعات من حال إلى آخر. كما أن دخول بعض العادات والممارسات الجديدة على المجتمعات تساهم في عدم استقرار البيت الزوجي؛ وبالتالي حدوث الانفصال.
إن حدوث بعض المشاكل الزوجية يُعتبر أمرًا طبيعيًا، ولكن عدم تدخل ذوي القربى لحل تلك المشكلات، وترك الحالة الانفعالية لدى الزوجين كما هي دون تهدئتها، وهي من أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى الطلاق، كما أن انشغال أحد الزوجين أو كلاهما عن تأدية الواجبات الزوجية ويكون ذلك في العادة بسبب ارتباط أحدهما أو كلاهما بمظاهر الحياة الاجتماعية المختلفة: كالعمل والدراسة فيحدث الانفصال لعدم اكتراثهما بالبيئة الأسرية.
إن آثار الطلاق المدمرة لا تعد ولا تحصى، فظهور مشاعر عدم الرضا والشعور بالإحباط؛ وذلك بسبب فقدان الثقة والنظرة الدونية التي يبديها المجتمع للمطلقين قد تكون أقل الآثار دمارًا، كما أن مشكلة رعاية الأبناء بعد الانفصال تكون منعرجًا خطيرًا في حياة الأبناء؛ لرغبة كل من الطليقين بالاستفراد بأبنائه، فيعيش الأبناء في بيئتين مختلفتين مما يؤدي إلى تشتتهم فكريًا. إضافة إلى ذلك، فإن عملية التكيف الاجتماعي والنفسي والاقتصادي من قبل الطليقين قد تأخذ وقتًا طويلاً.
وفي نتائج مبشرة تم نشرها من قبل المركز الوطني للإحصاء والمعلومات فقد بلغت نسبة الطلاق في المجتمع العماني في عام 2020م نحو 3426 حالة طلاق مسجلة انخفاض بـ 8.1% عن عام 2019م، حيث بلغت عدد حالات الطلاق في اليوم الواحد 9.4 حالة طلاق في اليوم الواحد (1). كما أوضحت النتائج بأن عدد حالات الطلاق في عام 2020م بين عُماني وعُمانية انخفضت بمقدار 192 حالة، وبين العُمانية والخليجية بمقدار 17 حالة مقارنة بعام 2019م. وتصدرت محافظة مسقط قائمة أكثر المحافظات تسجيلاً لحالات الطلاق، إذ بلغت عدد حالات الطلاق 796 حالة، تلتها محافظة شمال الباطنة بـ 672 حالة. وتذيلت محافظة مسندم القائمة ب 18 حالة طلاق (2). وفي المقابل وصل عدد حالات الطلاق في السلطنة في عام 2019م إلى 3728 حالة أي بمعدل ما يقارب 10 حالات طلاق في اليوم الواحد. وفي دراسة بحثية قامت بها جامعة السلطان قابوس مع وزارة التنمية الاجتماعية حول ” واقع الطلاق في المجتمع العماني، دراسة ميدانية” في عام 2015م، حيث طبقت الدراسة على 396 مطلقة و117 مطلقاً لتتبع الأسباب التي تؤدي للطلاق في المجتمع العماني. أوضحت الدراسة بأن الطلاق في المجتمع العماني يحدث نتيجة لعدد من الأسباب التي من أبرزها، عدم تحمل المسؤولية، وعدم إدراك الطرفين لمسؤوليتهما المشتركة، والعنف الأسري، والأفكار الدخيلة على المجتمع العماني والتي تهدف لزلزلة الاستقرار العائلي (3).
إن وجود مجتمع بدون أي حالة طلاق أمر يقترب من الاستحالة، ولكن تقليل نسبة الطلاق أمر ممكن؛ وذلك عن طريق اتباع مجموعة من الخطوات، فتنمية الثقافة الزوجية والأسرية قد تلعب دورًا إيجابيًا في تقليل معدلات الطلاق؛ كون هذه الخطوة ستعمل تبيان حقوق وواجبات كل طرف وهنا لابد أن أشيد بجهود وزارة التنمية الاجتماعية؛ حيث أطلقت الوزارة مشروع البرنامج الوطني للإرشاد الزواجي والذي تم إطلاقه في نهاية عام 2013م. يستهدف البرنامج الشباب والشابات المقبلين على الزواج؛ حيث يعمل المشروع على تزويد المشاركين بأساليب التواصل المناسبة في البيئة الأسرية، وكيفية التعامل مع مختلف التحديات الأسرية، كما أن اتباع منهج التسامح والمرونة في الحياة الأسرية أمر سيعمل على ضمان الاستقرار الأسري؛ حيث أن معظم المشاكل الأسرية تكون في العادة في بدايتها صغيرة، ولكن غياب التسامح، وعدم وجود مرونة في العلاقة أمران يعملان على تضخيم المشاكل بين الطرفين. ومن جهة أخرى فإن أداء الحقوق والقيام بالواجبات الزوجية أمر يساهم في تماسك الحياة الزوجية، ويساهم في التقليل من المشاكل والصعوبات التي تحاصرها.
فالحياة الزوجية حياة رائعة وإيجابية، وتتطلب مجموعة من التضحيات والصبر للوصول لمرحلة الاستقرار، ووجود تحديات فيها يُعد أمرًا طبيعيًا. إن معرفة الطرفين بالحقوق والواجبات المنوطة بهما، ووجود مرونة في التعامل مع مختلف العراقيل التي قد تواجه علاقتهما أمر سيسهم في استمرار الحياة الزوجية، وسيصبح اللجوء لخيار الطلاق آخر الحلول؛ كون هذا القرار سيخلف الكثير من الخسائر سواء على المستوى العائلي أو المستوى المجتمعي.
____________________
(1) صحيح أبي داود.
(2) المركز الوطني للإحصاء
(3) المرجع السابق.
(3) واقع الطلاق في المجمع العماني، دراسة ميدانية.