مرحبًا، أنا أخدش الذوق العام
طه جمعه الشرنوبي – مصر
(حسن سبانخ) من أعظم أدوار عادل إمام في فيلم الأڤوكاتو سنة 1983م في مشهد داخل الزنزانة وحوار مع الشاويش عبد الجبار ويقول له:
«الحقيقه إن الحياة مُقرفة جدًا يا عبد الجبار، ولو رفضتها عشان مُقرفة هتبقي مُقرفة أكتر.
طب و الحل؟
الحل بسيط .. إنك تعامل الحياة بقوانينها عشان تتمتع بجمالها يا عبد الجبار.
مش فاهم!
المجتمعات المتخلفة يا عبد الجبار متعرفش حاجة اسمها العلم وأي محاولة لتغيير حركتها بقوانين علمية تعتبر محاولة غير علمية في حد ذاتها.
_ عليا النعمة أنا حمار ولا فاهم حاجة.
_ عشان كدا أنا بكلمك عشان أنت حمار .. كلكوا حمير.»
محاولة الكتابة بعد حوار عادل إمام، ستجعلني زيّ عبد الجبار” حمار”، لكن ما يجعلني أتقبل ذلك هو كاتب الحوار، كتبه بأسلوب عامي لإثبات نظرية علمية لأجل أن يسمعها عبد الجبار ونشاهدها نحن، فلا بأس إن كنت أنا (حسن سبانخ) وكنت أنت عبد الجبار.
بالإضافة إليَّ أنني لن أستخدم نظريات علمية لتغيير حركة المجتمع، كما أن مطمعي بسيط؛ أود القول بأن الشعوب لها عادات وتقاليد، ولها مقاييس مجتمعية على أساسها تحكم وتتحكم، لكن ماذا سيحدث لو كان الذوق العام فاسداً هل عليَّ أن أتقبله؟
الذوق العام في بلداننا الآن هو كل شيء غير صالح، لا قيم مجتمعية ولا فنية ولا أسرية، للدرجة التي إذا قام أحد الأشخاص مثلاً بالقيام في حافلة لرجل مسن أو سيدة أو بنت، أو طفل، يقوم باقي الركاب بالثرثرة ونعته بصفات رديئة، وكأنه خدش الذوق العام.
الذوق العام السائد هو قبول المعاكسات والتحرش وإطلاق عبارات قبيحة في وجه الآخرين، وإذا اعترض أحدهم على ذلك قولاً أو فعلاً بالمنع يكون بذلك خدش الذوق العام.
الذوق العام أن تهين الأم أو الزوجة أو الأخت، وحينما نجد أحداً يحترمهن ويقدرهن ننعته بألفاظ من شأنها التقليل من رجولته، وكأن ما قام به ينافي الرجولة، ويكون بذلك خدش الذوق العام.
الذوق العام هو أن تكون قاسياً، تحمل الأذى بين عينيك، تدس وجهك في حياة الآخرين، تتدخل في حياتهم من مأكل وملبس وسكن حتى في الرزق، أما من اختار حياة مُسالمة تقوم على الودّ واللُّطف والمحبة، يُوصف بأنه منغلق على نفسه، كئيب، فيكون خَدَشَ الذوق العام.
المشكلة الأكبر هي الخوف من عمل الأمور الحسنة خوفاً من تقييم المجتمع، أو الخوف من الوقوع تحت طائلة تقييم الناس والمجتمع، هُم من سَيقيّمون حياتك، يقولوا تلبس كذا وتأكل كذا وتشرب كذا وتغني كذا، تقول كذا، إلى آخر ذلك؛ وكأن صعلوكا تمردت عليه القبيلة لكثرة تمرده على العادات وخدش الذوق العام.
الآن كل من يقول بشيء فيه من اللُّطف واللين والتودد يكون في معيار المجتمع خادشًا للذوق العام.
كل إنسان له طابع لحياته وصبغة يُحب أن يورثها لأطفاله، لكن لم يكد يفكر في ذلك إلا ويحدث لها صدمة ويتساءل هل هذا المجتمع سيعيشون فيه؟ كيف ذلك إن لم يكونوا مصبغون بنفس الصبغة وإلا سينهش المجتمع روحهم كالضباع، وبالتالي لن يستطيع ولن يجرؤا على بناء سجن عازل يقيهم من ويلات المجتمع، وسيتركهم للحياة تعلمهم وتعطيهم نصيبهم منها.
في الخمسينات والستينيات إلى بداية التسعينات ونهاية القرن الماضي، كنا نسمع عن قائمة من الذوق العام في الكلام والملبس والموسيقى والفن مروراً بالذائقة الدينية، والثقافة والفكر والتحضر، إلى بروتوكولات (الإتيكيت) التي كانوا يتعلمونها ومروراً أيضاً بالرياضة من فروسية وسباحة وسلاح الشيش.
لا أقول هذا تجنّي على زماني، لكني أحب أن أخدش الذوق العام، أريد أن أفرغ مجتمعي من التحرش و البذاءة والكلام القبيح الذي أصبح عادة خالصة، من لا يقوله يصبح مادة خام للسخرية والتنمر.