القلق
د. إنعام بنت محمد المقيمية
حكاية أرنبة ليست حكاية غريبة عنّا، هي قريبة منّا، قد تختلف في تفاصيلها وفصولها إلا أن خيوطها تلامسنا، فمشاعر الخوف وتبعاته هي محطة لا بدّ أن نمرّ عليها، نترك أرنبة تكمل سرد قصتها.
مرّت سنوات الدراسة وأنا أبحر في علم النفس، ملتزمة بأداء أعمالي المكتبية حيث لم أحصل على إجازة دراسية، كان علم النفس مرشدي في اكتشاف ذاتي وتشافي جروحي، وخلال رحلتي فيه أدركتُ أن أكبر عائق لتجاوز الخوف هو التخلص من الأفكار والتشوهات المعرفية الناتجة عن معتقدات وتجارب منذ الطفولة، فتشكّل لنا ضغوطاً مع أحداث الحياة المتسارعة، كانت هناك أفكار كثيرة تراودني لم أدرك حينها هل هي صحيحة أم خاطئة؟ لأنني واقعة في محطة الخوف، ولم تكن لي الخبرة في التعامل مع هذه التجربة.
كنت أخاف أن يتم منعي من إكمال دراستي، فقد نقشت مراراً وتكراراً سبب عدم توافق دراستي مع عملي، كنت أخاف ألا تقبل شهادتي، كنت أخاف أن أخفق يوماً ما في عملي وتوضع دراستي شماعة اتهامات، كنت أخاف من مواجهة الرؤساء إذا نُقل عني كلام زور، ثم تُتخذ إجراءات بحقي في الدراسة، كانت تتمالكني مشاعر الحزن، والضيق، وكثرة البكاء، والشعور بالضعف.
الغالبية تراني أرنبة القوية الشجاعة الطموحة بدون أن يصرح- وهذه ضريبة النجاح- كنت أقوم بأنشطة ومحاضرات وفعاليات بعد العمل كتزكية للعلم، من يرني يظن أن لا مكان للمشاعر السيئة في حياتي، فلا يرى غير ابتسامتي وحديثي عن التفاؤل والانبهار بتقنيات علم النفس. لكن الصراع ما بين الخوف على إكمال دراستي والخوف من مواجهة ما اتهمتُ فيه، وإثباتاً لذاتي أن ما درسته في علم النفس من تقنيات في العلاج النفسي هل سيجعلني أتخطى الصعاب؟ وجدت نفسي قد وقعت في محطة القلق، فالقلق حالة مصحوبة بتوتر من الأحداث، ومشاعر خوف دائم من التوقع السيئ وعدم الطمأنينة، وينعكس تأثيره بأعراض جسدية كآلام العضلات، والشعور بالإعياء، كما يؤثر أسرياً واجتماعياً وعلمياً.
كنت أخوض أحداث يومي ككتلة من الألم أتجرعها بثبات.
وفي أحد الأيام وأنا أسير في الغابة محاولةً أن أسيطر على أفكاري ومشاعري في رحلتي مع ذاتي، وأتلمس احتياجاتي، لمحتُ صديقي الهدهد، فجلست معه أتسامر، فقلت له وكأني أبحث عن إجابة مؤكدة لإجابتي:
هل أخطأت بدراستي لعلم النفس؟ كيف أكون خريجةً في علم النفس وأنا لا أستطيع مساعدة نفسي؟ عندها قلت مواسيةً ذاتي:
إن الأفكار والمشاعر السلبية والإيجابية خُلقت فينا، لا بدّ من أن نمرّ عليها منذ خُلق الخَلق. هنا وجدت نفسي ألجأ إلى القوة الإلهية، فهو “يدبر الأمر”، فمهما تجاوزنا من العلوم والمعرفة، فإننا نظلّ في قصور، ولسان حالي يقول:
” إنما أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ”، سورة يوسف، آية ٨٦.
متيقنة بقوله تعالى: “أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ”، سورة الزمر، آية ٣٦.
للحديث بقية.