الابتزاز الإلكتروني
عصام بن راشد المغيزوي
في عالمنا الحاضر اتسعت رقعة التطور التقني بشكل هائل، وأصبح التواصل بين الجميع أمراً يسيراً، ليغدو عالمنا كقرية صغيرة، وأصبحت عملية تبادل المعلومات والخبرات والثقافات متاحة للجميع في أي وقت.
لقد عملت العولمة على تقليص الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية، عن طريق إتاحة الفرصة للدول النامية للاستفادة من تجارب الدول المتطورة، كما أنها أتاحت فرصة للأفراد لطرح آرائهم بحرية تامة حول القضايا الإقليمية والدولية.
لا يمكن حصر المنافع الجمة التي جلبها وسيجلبها نهر العولمة للعالم عامة في مقال واحد، ولكنني بصدد طرح قضية يعتقد الكثيرون أنها أحد إفرازات عملية العولمة.
وعلى الرغم من المنافع التي لا تعد ولا تحصى لعملية العولمة، إلا أن نهر التطور التقتي جلب معه بعض السلبيات التي لم تكن معروفة من قبل كالابتزاز الإلكتروني.
يعد الابتزاز الإلكتروني أحد أهم القضايا التي تهدد الأمن القومي والعالمي على حد سواء، فلا تقتصر آثاره المدمرة على دولة بعينها ولكنها تمتد للعالم أجمع؛ ولهذا نجد أقوى الأجهزة الأمنية حول العالم تسعى باستمرار لاتخاذ خطوات حاسمة للقضاء على هذه المعضلة، فعلى مستوى العالم نالت هذه القضية اهتماماً واسعاً نظراً للخسائر المادية والمعنوية المصاحبة لهذه المشكلة، ففي عام 2014 قُدّر عدد ضحايا هذه المشكلة ب 556 مليون إنسان، وقدرت الخسائر المادية ب 450 مليار دولار، الأمر الذي وضع الابتزاز الإلكتروني كتهديد حقيقي للأمن القومي والسلم الدولي، فوفقاً لإحصائيات عام 2019 فقد سجلت هيئة تقنية المعلومات 607 حالة ابتزاز إلكتروني خلال النصف الأول من العام؛ حيث تركزت معظم الحالات على الفترة العمرية الواقعة بين 15-45 سنة، إذ بلغت نسبة الذين تعرضوا للابتزاز الإلكتروني 53.4% من إجمالي الحالات، وكان للذكور نصيب الأسد من نسبة الحالات إذ شكلوا نسبة 70%، فيما حصلت الإناث على نسبة 30%(1).
يذكر أن الهيئة قامت بتسجيل 1414 حالة ابتزاز إلكتروني خلال عام 2018، و1479 حالة ابتزاز إلكتروني خلال عام 2017، وفي سلطنة عمان وصل عدد الجرائم الإلكترونية إلى 2292 جريمة إلكترونية خلال عام 2020م وفقًا للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، مثلت منها جرائم الابتزاز ما نسبته 7%(2).
ويُعرف الابتزاز الإلكتروني بأنه:
عملية تهديد وتخويف للضحية؛ وذلك بنشر معلومات سرية أو صور خاصة مقابل الحصول على مبلغ معين، أو الحصول على معلومات سرية خاصة بالدولة أو جهة العمل.
ونظرًا لخطورة وازدياد عدد الجرائم الإلكترونية في العالم، فقد سعت السلطنة للحدّ من انتشار هذه الظاهرة، فمع تسجيل 324 جريمة ابتزاز في عام 2017، عمدت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات وبالتنسيق مع الجهات الجكومية الأخرى لإطلاق حملات توعوية للحد من الآثار السلبية لهذه المشكلة، وهدفت هذه الحملة إلى زيادة وعي المجتمع العماني بخطورة هذه الجريمة وإلى تقليل آثارها المحتملة على المجتمع العماني.
كيف تتم عملية الابتزاز؟
مع الثورة التكنولوجية الضخمة التي شهدها العالم في العقود الأخيرة، شهدت عملية الابتزاز تعدداً في الأساليب للوصول إلى الضحية، ولكنها في العادة تبدأ بمحاولة إقامة صداقة بين مرتكب الجريمة والضحية، وبمرور الأيام تتطور العلاقة بين الطرفين مما يؤدي إلى تكوين علاقة مبنية على الثقة بينهما، مما قد يدفع بالضحية لمشاركة بعض المعلومات الشخصية كالصور الخاصة على سبيل المثال؛ مما يدفع مرتكب الجريمة إلى استغلال الضحية؛ وذلك عن طريق تهديد الضحية بنشر المعلومات السرية التي أصبحت بحوزته إن لم يحصل على ما يريد؛ وهو الأمر الذي يدخل الضحية في حالة من الخوف، أو يعمل على استنزافها مادياً بشكل مستمر، وقد يقوم المبتز باستغلال جهل الضحية بكيفية التعامل مع حالات الابتزاز، فيقوم بإسناد مجموعة من الأوامر التي قد تصل إلى القيام بأفعال خادشة للحياء، أو دفعه للمشاركة في أعمال إرهابية.
إن التطور الهائل الذي شهدته مواقع التواصل الأجتماعي جعل عملية تتبع والقضاء على عملية الابتزاز الإلكتروني أمراً معقدًا للغاية.
ومن أكثر أساليب الابتزاز شيوعاً هي تلك العملية التي يقوم من خلالها المبتز بإرسال رابط، فتقوم الضحية بالضغط على ذلك الرابط لجهلها بخطورته، وبمجرد الدخول يتم تحميل مجموعة من الفيروسات أو البرامج التي تعمل على صنع ثغرات أمنية في جهاز الضحية؛ مما يُمكّن المبتز من تحميل الصور، أو المعلومات الموجودة على جهاز الضحية.
لقد أحيطت صورة الابتزاز الإلكتروني بالضبابية لفترات طويلة، إلا أن هذه الصورة الضبابية بدأت في الاختفاء تدريجياً بفضل الجهود الدولية والإقليمية.
إن القارئ للواقع في سلطنة عمان سيدرك أن الحكومة عمدت إلى تشريع مجموعة من القوانين والأنظمة، وتفعيل دور بعض الأجهزة للحد من تفشي هذه الظاهرة في المجتمع العماني، فلا يمكن لتربة السلطنة التي لا تنبت إلا طيباً، أن تحتضن أي نباتات ضارة بين مكوناتها، ولا يمكن لنهرها الصافي أن يحمل الشوائب بين قطراته، وفي عام 2011 بدأت السلطنة في وضع خطة لتحجيم خطر هذه الظاهرة؛ حيث كانت السلطنة من الدول السباقة في هذا المجال نظراً لأن هذه المشكلة حديثة الظهور.
لقد نص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في السلطنة الصادر في عام 2011م بالمرسوم السلطاني رقم (2011/12) في مادته الثامنة عشرة على:
“يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف ريال عماني، ولا تزيد على ثلاثة آلاف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في تهديد شخص، أو ابتزازه لحمله على القيام بفعل أو امتناع، ولو كان هذا الفعل أو الامتناع عنه مشروعاً، وتكون العقوبة السجن المؤقت مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات، وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال عماني ولا تزيد على عشرة آلاف ريال عماني، إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور مخلة بالشرف أو الاعتبار”(3).
كما دأبت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات إلى إطلاق مجموعة من المبادرات للحد من تفشي هذه الجريمة في المجتمع العماني كمبادرة “بلغ وسرك في بئر”، إضافة لكل الجهود السابقة، قامت شرطة عمان السلطانية بالتحذير من هذه الظاهرة وطالبت الأشخاص الذين يتعرضون للابتزاز بأن يقوموا بالتواصل مع وحدة الجرائم الاقتصادية؛ حيث تم الترويج لهذه المبادرات عبر العديد من مواقع التواصل الاجتماعي للوصول لأكبر شريحة من المجتمع.
لقد كانت هذه الكلمات والمبادرات بمثابة دق ناقوس الخطر لكل تلك القلوب التي تسوّل لأصحابها ارتكاب هذا الفعل الشنيع، وبمثابة رسائل طمأنينة لكل تلك النفوس التي تخاف أن تقع ضحية لهذه الظاهرة السلبية.
لقد تجاوزت السلطنة حدودها الجغرافية، وسعت لتوفير أقصى درجات الأمان لمواطينها حتى وأن كانوا في خارج حدودها الجغرافية، فقدت نصت المادة (2) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات:
“تسري أحكام هذا القانون على جرائم تقنية المعلومات، ولو ارتكبت كلياً أو جزئياً خارج السلطنة، متى أضرت بإحدى مصالحها، أو إذا تحققت النتيجة الإجرامية في إقليمها أو كان يراد لها أن تتحقق فيه ولو لم تتحقق”(4).
وبذلك يكون قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية قد وفّر أقصى درجات الأمان في داخل وخارج السلطنة، كما عمدت السلطنة إلى توقيع مجموعة من الاتفاقيات مع مجموعة من دول العالم؛ حيث ستتضمن تلك الاتفاقيات والمعاهدات تسليم المبتزين للسلطنة في حال قيامهم بعملية الابتزاز من خارج حدود السلطنة، كما أولى السلطان هيثم بن طارق أهمية كبيرة في سبيل مكافحة الجرائم الإلكترونية، فقد أصدر في 10 يونيو 2020م مرسوماً يقضي بإنشاء مركز الدفاع الإلكتروني، الذي يهدف إلى مكافحة الجرائم الإلكترونية.
لا يمكن إنكار الجهود الجبارة التي تبذلها الحكومة الرشيدة في سبيل القضاء على ظاهرة الابتزاز الإلكتروني، ولكن مواجهة هذه المعضلة تتطلب تضافر الجهود من الحكومة والمواطنين.
لتجنب الوقوع في فخ المبتزين هناك بعض الإرشادات التي ينبغي عليك الالتزام بها:
كعدم الرد على أي محادثة من مصدر مجهول، وعدم قيامك بمشاركة معلوماتك الشخصية في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي، كما يجب عليك عدم قبول الصداقات التي تأتي من مصادر مجهولة، وينبغي في الوقت نفسه تجنب مكالمات الفيديو التي تكون مجهولة المصدر.
ولكن ماذا لو تعرضت لعملية ابتزاز؟ في حال تعرضك لعملية ابتزاز، فلا تقم بالتواصل مع الشخص المبتز، وقم بتجاهل رسائله، وتواصل مع وحدة الجرائم الاقتصادية بشرطة عمان السلطانية على الرقم (24569701)، أو قم بالتواصل مع المركز الوطني للسلامة المعلوماتية على الرقم (24166828).
كما ينبغي عدم تهديد المبتز بالشرطة أو أي جهة أخرى، ولا تقم بتحويل أي مبالغ مادية أو الرضوخ لأي طلب من قبل المبتز.
في نهاية المطاف، فإن مكافحة الابتزاز الإلكتروني هي مسؤولية تقف على عاتق المجتمع كافة، ولا يمكن التخلص من هذه الآفة مالم تتضافر جهود المواطنين مع الحكومة.
____________________
(1) المركز الوطني للإحصاء.
(2) المرجع السابق.
(3) المرجع السابق.
(4) المرجع السابق.