رَســائـِـل فُـــؤَاد (ج_9) تصالح مع حياتك
فؤاد آلبوسعيدي
تقبُّـلك للحياة بما فيها لا يعني أحياناً بأنّه خضوعاً لها أو إستسلاماً لتلك الوقائع (الظّروف) التي تجابهنا، عُد قليلاً إلى كلمة (الظّروف).. فعند البحث عن المقصود حول مفردها المختصر ستجد بأنها تعني (كلُّ ما يستقرُّ غيرُه فيه) أيّ أنّها تعني أمراً أو حالاً وقتياً قابل للإنزياح والتّغيير.
تصالح مع حياتك حتى وإن كانت هذه الحياة في كثير من نواحيها تملك الكثير من الإستفزاز لك، إنّ بعض الأمور مقدّر لها أن تكون لك وبأن تحدث معك، هناك من الأمور ما هو مقدّر منها أن تفرحك وترفعك إلى عنان السّماء ومنها ربّما مقدّر لها أن تحزنك وتضيق عليك الحياة، يجب عليك في كلّ الحالات التي ستواجه فيها أمورك أن تتخيّل وكأنك قبطان سفينة في عرض البحر تسيّرها ولكنّك لا تعلم أبداً ما قد يجابهك أثناء إبحارك بها، فتلك هي الصورة التخيليّة للحياة كما يجب أن نعيها وبالمختصر لا شئ سيمضي بنا كما نريد وكما نشتهي، سيمضي بنا العمر سنيناً وسنتعلّم بعد حنين بأنّ الحياة فيها جانبين مجهولين قد نعيش فيهما في يوم ما أحدهما مشرق والآخر مظلم، فلا تجعل ذلك التناقض بين الجانبين يستفزّك، تذكّر بأنّه دائما بعد السّحابة الماطرة هنالك منظرٌ بديع قد يروق لك ويشدّ ناظريك ألا وهو ظهور قوس المطر بألوانه الجميلة وأيضاً مشاهدة أشعّة وهي تخترق كثافة الغيم والسّحاب.
تصالح مع حياتك الخاصة ومع كيانك الدّاخلي وليس عليك أن تشتكي من غياب النّاس من حولك أو بالأدقّ يجب عليك أن لا تعاتب غياب من اعتبرتهم من الأخلاّء المقربين، تصالح مع حياتك وأنت ترى اختفاء البعض عنك فربّما تكون أنت المتسبّب في ذلك فتظهر شخصيّتك بعدها مملوءة خذلاناً ومتنفّراً من الآخرين دون أن تعترف بأنّك كنت مخطئاً في اختياراتك للشّخصيات المقرّبة إليك؛ أحياناً يجب أن نتقبّل حقيقة أن العلاقات مع الآخرين في كلّ الأحوال ستكون دائما في حالة المدّ والجزر أيّ أنّه لن يكون هناك علاقة صداقة مع أحدهم ستكون ثابتة في أوطادها وقوية كالجبل؛ العلاقات في مخيّلاتنا يمكن أن نعتبرها وكأنها بالوناً منفوخاً بالهواء معلّقاً عالياً ولكنه قد يتعرّض للإنفجار في أيّة لحظة دون أن أيّة تأثيرات جانبية؛ هم كذلك الأصدقاء والأخلاّء قد يخذلونك وقد يغادرونك دون أيّة أسباب تستدعي ذلك.
تصالح مع حياتك وأنت تتخيّر المقربون جدّاً إليك لكي لا تقع في زاوية نفسيّة مؤلمة تعاتب فيها هذا وذاك؛ تصالح مع حياتك فلا تجعل من الجميع مقرّبين يفاجؤونك عندما لا تجدهم عند تريدهم؛ تصالح مع حياتك واطرح على نفسك هذا السؤال..
من هو صاحبك الصّدوق الذي عليك أن تتشبّث به؟
كثيراً ما نقول ونتحدث إلى أنفسنا بأن ذاك الشخص هو الصاحب الأقرب إلى قلوبنا، وكثيراً ما نعترف بيننا وبين أحاديثنا الروحية الخاصة بأنّ هذا هو صديقي الصّدوق والأقرب إليّ وهو الذي لن يتهاون في إخراجي من أيّ حفرة أقع فيها مهما كان عمقها ومهما كان ما تحتويها تلك الحفرة من روائح كريهة.
ولكن لتعرف من هو فقط الذي نملك أن نضعه في تلك الخانة والدرجة.. ما عليك سوى أن تقوم بالإجابة على هذه الأسئلة…
-أخبرني كيف يهتم بك؟
-هل يقوم بالرد عليك في نفس اللحظة والدقيقة عندما تتواصل معه؟
-هل هو من يقوم بتهدأتك عندما تكون في أقصى حالاتك العصبية؟
-هل فعلاً هو يتحمل دائماً حالاتك النفسية السيئة؟
-هل هو من يقوم بالوقوف إلى جانبك مهما كان ما تجابه؟
-هل يقوم بوضعك في الخانة العليا دائماً عندما يكون الخيار متعدّد مع غيرك؟
-هل لا يقوى أن تمر لحظاته في عزلةٍ بعيداً عنك ودون أن يشعر بالشوق إليك؟
-هل هو يقوم بالإتصال بك لحظة يستيقظ من النّوم؟
-هل هو من يشاركك سهراتك؟
إن كانت الإجابة هي (نعم) فذلك هو الشخص الذي يمكن أن تعتبر بأنّه صديقك الصّدوق والحبيب الخليل الذي يجب عليك أن تضعه داخل مقلتا عيناك في كلّ زمان ومكان، نعم إنّه هو الرّائع الذي لن تودّ في يوم من الأيام أن يفارقك وليس ذلك الذي يخذلك ويأتيك في نهاية يومه ليسألك كيف كان يومك أو أن يقول لك في آخر ثانية من يومه (أين كنت؟ لقد إشتقت إليك).
صالح الجميع فمن تتعامل معهم هم جزءاً لا ينفصل عن يومياتك؛ يجب عليك وأنت تحاول أن تصلح أو تتصالح مع حياتك أو وأنت تقوم بتحسين علاقاتك مع أولئك البعض من حولك أن تعلم بأنّه من واجباتك وأنت تمضي يومياً في حياتك أن تكون على معرفةٍ بمقامك عند أحدٍ من الآخرين أو بصورة أخرى أن تقوم بتحديد ما الذي قد يمثّله أحدهم لك وأنت تتعامل معه؛ عليك أن تعلم بأنّ بعض الأشخاص قد يكونوا جسراً للنّجاح لك، البعض الآخر ربما قد يكونوا هم العقبة الوحيدة التي تعيق طريقك ومعبرك إلى النّجاح والتّميز الذي تريده بل وربّما يكونوا هؤلاء هم الذين قد يطلقوا رصاصة الرّحمة عليك فيهدمون المرفأ الذي كنت ستستخدمه من أجل الرّسو قليلاً ومن ثمّ إعادة ترتيب موازينك وإصلاح قاربك الذي يشارف على الغرق.